فصل: فصل في عكس ما تقدم وهو قلب الهمزة ياء أو واواً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شذا العرف في فن الصرف ***


الباب الثالث‏:‏ في أحكام تعم الاسم والفعل

فصل في حروف الزيادة ومواضعها وأدلتها

اعلم أن الزيادة في الكلمة عن الفاء والعين واللام إما أن تكون لإفادة معنى كقرح بالتشديد من فرح وإما لإلحاق كلمة بأخرى كإلحاق قَرْدَدٍ اسم جبل بجعفر، وَجَلْبَبَ بِدَحْرَجَ، ثم هي نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يكون بتكرير حرف أصلي لإلحاق أو غيره، وذلك إما أن يكون بتكرير عين مع الاتصال، نحو‏:‏ قَطَّع، أو مع الانفصال بزائد، نحو‏:‏

عَقَنْقَل، بمهملة قافين بينهما ساكن مفتوح ما عداه‏:‏ للكثيب العظيم من الرمل‏.‏

أو بتكرير لام كذلك، نحو‏:‏ جلْبَبَ وجِلْبَاب، أو بتكرير فاء وعين مع مباينة اللام لهما، نحو‏:‏ مَرْمَريس بفتح فسكون ففتح فكسر، للداهية، وهو قليل‏.‏ أو بتكرير عين ولام مع مباينة الفاء، نحو‏:‏ صَمْحَمَح بوزن سَفَرْجَل‏:‏ للشديد الغليظ، وأما مكرر الفاء وحدها، كقَرقف وسُندس، أو العين المفصولة بأصل، كحَدْرد بزنة جعفر‏:‏ اسم رجل، أو العين والفاء في رُباعيّ كَسِمْسِم فأصليّ، فلو تكرر في الكلمة حرفان وقبلهما حرف أصلي كصَمَحْمَحٍ وسَمَعْمَعِ لصغير الرأس، حُكم بزيادة الضعفين الأخيرين، لكون الكلمة استوفت بما قبلهما أقل الأصول‏.‏

ثانيهما‏:‏ ما لا يكون بتكرير حرف أصلي وهذا لا يكون إلاَّ من الحروف العشرة المجموعة في قولك‏:‏ «سألتمونيها»، وقد جمعها ابن مالك في بيت واحد أربع مرات فقال‏:‏

هَنَاءٌ وتَسْلِيمُ، تَلا يَوْمَ أُنْسِهِ *** نِهَايَةُ مَسْئُولٍ، أمُانٌ وَتَسْهِيلُ

وقد تكون الزيادة واحدة وثنتين وثلاثة وأربعة‏.‏ ومواضعها أربعة‏:‏ إما قبل الفاء والعين أو بين العين واللام أو بعد اللام، ولا يخلو إذا كانت متعددة من أن تقع متفرقة أو مجتمعة‏.‏ فالواحدة قبل الفاء، نحو‏:‏ أُصبع، وأكرم، وبين الفاء والعين نحو‏:‏ كاهل وضارب، وبين العين واللام نحو‏:‏ غزال، وبعد اللام كحُبْلَى‏.‏

والزيادتان المتفرقتان بينهما الفاء، نحو‏:‏ أجادل، وبينهما العين كعاقول، وبينها اللام، نحو‏:‏ قُصَيْرَى، أي الضلّع القصيرة، وبينهما الفاء والعين، نحو‏:‏ إعصار، وبينهما العين واللام، نحو‏:‏ خَيْزَلَى، وهي مشية فيها تثاقل، وبينهما الفاء والعين واللام، نحو‏:‏ أجْفَلَى للدعوة العامة، والمجتمعتان قبل الفاء، نحو‏:‏ مُنطلق، وبين الفاء والعين، نحو‏:‏ جواهر، وبين العين واللام، نحو‏:‏ خُطّاف، وبعد اللام، نحو‏:‏ عِلباء‏.‏

والثلاث المتفرقات نحو‏:‏ تماثيل، والمجتمعة قبل الفاء، نحو‏:‏ مستخرج، وبين العين واللام، نحو‏:‏ سلاليم، وبعد اللام، نحو‏:‏ عنفوان، واجتماع ثنتين وانفراد واحدة، نحو‏:‏ أفْعُوَان‏.‏

والأربعة المتفرقات، نحو‏:‏ احميرار مصدر احمارَّ، ولا توجد الأربعة مجتمعة‏.‏

‏[‏أدلة الزيادة‏]‏

وأدلة الزيادة تسعة‏:‏

الأوَّل‏:‏ سقوط بعض الكلمة من أصلها كألف ضارب وألف وتاء تضارب من الضرب فما عدا الضاد والراء والباء حكمه الزيادة‏.‏

الثَّاني‏:‏ سقوط بعض الكلمة من فرع كنوني سنبل وحنظل، من أسبل الزرع وحَظِلَت الإبل، أي خرج سُنْبُل الزرع، وتأذت الإبل من أكل الحنظل، فنونهما زائدة لسقوطها من الفرعين‏.‏

الثَّالث‏:‏ لزوم خروج الكلمة عن أوزان نوعها لو حكمنا بأصالة حروفها، كنوني نَرْجِس بفتح فسكون فكسر، وهُنْدَلِغ بضم فسكون ففتح فكسر‏:‏ لبقلة، وتاءي تنْضُب بفتح فسكون فضم‏:‏ اسم شجر، وتَتْفُل بفتح فسكون فضم‏:‏ لولد الثعلب، لانتفاء هذه الأوزان في الرُّباعيّ المجرَّد‏.‏

الرَّابع‏:‏ التكلم بالكلمة رباعية مرة وثلاثية أخرى مثلاً‏:‏ كأيْطل بفتحتين بينهما ساكن، وإطْل بكسر فسكون أو بكسرتين‏:‏ للخاصرة‏.‏

الخامس‏:‏ لزم عدم النظير في نظير الكلمة التي اعتبرتها أصلاً كتتفل بضمتين بينهما فإنه وإن لم يترتب عليه عدم النظير لوجود فُعْلُل كبُرْثُنْ، لكن يترتب ذلك في نظير تلك الكلمة وهي تتفل المفتوحة التاء في اللغة الأخرى إلاَّ وجود لفعلل بفتح فضم بينهما سكون فثبوت زيادة التاء في لغة الفتح لعدم النظير دليل على زيادتها في لغة الضم والأصل الاتحاد‏.‏

السادس‏:‏ كون الحرف دالا على معنى كأحرف المضارعة وألف اسم الفاعل‏.‏

السابع‏:‏ كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، كالنون ثالثة ساكنة غير مدغمة بعدها حرفان، كوَرَنْتَل بفتحات، بينهما نون ساكنة‏:‏ للداهية، وَشَنْبَث بزنته‏:‏ للغليظ الكفين والرجلين، وعَصَنْصَر بفتح المهملات وسكون النون‏:‏ اسم جبل، لأنها في موضع لا تكون فيه مع المشتق إلاَّ زائدة، كجَحَنْفَل بزنته أيضاً‏:‏ وهو الغليظ الشفة، من الجَحْفَلة، وهي لذي الحافر كالشفة للإنسان‏.‏

الثامن‏:‏ وقوعه منها في موضع تغلب زيادته فيه مع المشتق كهمزة أرنب وأفكَل، بفتحتين بينهما ساكن‏:‏ للرِّعْدة، لزيادتها في هذا الموضع مع المشتق كأحمر‏.‏

التاسع‏:‏ وجوده في موضع لا يقع فيه إلاَّ زائداً، كنونات حِنْطَأوٍ، بكسر فسكون ففتح فسكون، لعظيم البطن، وكِنْتأوٍ بزنته، لعظيم اللحية، وسِنْدَأوٍ وقِنْدَأوٍ، بزنة ما تقدَّم لخفيفها‏.‏

وزاد بعضهم عاشراً‏:‏ وهو الدخول في أوسع البابين عند لزوم الخروج عن النظير فيهما، نحو‏:‏ كَنَهْبُل، بفتحتين فسكون فضم‏:‏ شجر عظيم، وقد تفتح باؤه فزنته بتقدير أصالة النون‏:‏ «فَعَلُّل»، وبتقدير زيادتها «فَنَعْلُل» وكلاهما مفقود، غير أن أبنية المزيد أكثر فيصار إليه‏.‏

ويُحْكم بزيادة الألف متى صاحبت أكثر من أصلين كضارب وعِمَاد وحُبْلَى، ويحكم بزيادة الواو متى صحبت أكثر من أصلين ولم تتصدر ولم تكن كلمتها من باب سِمْسِمْ كمحمود وبُويع بخلاف، نحو‏:‏ سَوْط وَوَرَنْتَل ووَعْوَعَة‏.‏

ويُحْكم بزيادة الياء متى صحبت أكثر من أصلين ولم تتصدر سابقة أكثر من ثلاثة أصول ولم تكن كلمتها من باب سمسم كيضرِبُ فعلاً، ويَرْمَعٍ اسماً، بخلاف بيت ويُؤْيُؤْ لطائر، ويَسْتَعُور بزنة فَعْلَلُول كَعَضْرَفُوط‏:‏ اسم لدويبة‏.‏

ويُحْكم بزيادة الميم متى سبقت أكثر من أصلين، ولم تلزم في الاشتقاق كمحمود ومسجد منطلق ومفتاح، بخلاف نحو‏:‏ مهْد ومِرْعِز، بكسرتين بينهما سكون، اسم لما لان من الصوف، فإنهم قالوا‏:‏ ثوب مُمَرْعز، فأثبتوها في الاشتقاق واستدلوا بذلك على أصالتها خلافاً لسيبويه القائل بزيادتها‏.‏

ويُحْكم بزيادة الهمزة مصدرة متى صبحت أكثر من أصلين ومتأخرة بشرط أن تسبق بألف مسبوقة بأكثر من أصلين كأحفظ فعلاً وأفضل اسماً مشتقا وإصبع اسماً جامداً وأفْلُس جمعاً، وكحمراء وصحراء‏.‏

ويُحْكم بزيادة النون متطرفة إن كانت مسبوقة بألف مسبوقة بأكثر من أصلين كسكران وغضبان، ومتوسطة بين أربعة أحرف إن كانت ساكنة غير مضعَّفة، كغَضَنْفر وقَرَنْفَل، أو كانت من باب الانفعال، كانطلق ومُنْطَلِق، أو بدأت المضارع‏.‏

ويُحْكم بزيادة التاء في باب التفعل كالتدحرج والتفاعل كالتعاون والافتعال كالاقتراب والاستفعال كالاستغراب والاستغفار، وهو الموضع الذي يحكم فيه بزيادة السين، أو كانت التاء في التفعيل أو التفعلل، أو كانت للتأنيث كقائمة أو بدأت المضارع‏.‏ وتزاد التاء سماعاً في، نحو‏:‏ ملكوت وجَبَرُوت ورَهَبُوت وعنكبوت‏.‏ وتزاد السين سماعاً في قُدْموس بزنة عُصْفور للإلحاق به‏.‏ وزيادة الهاء واللام قليلة ومثلوا للهاء بقولهم أهراق في أراق وبأمهات في جمع أم‏.‏ ومن مثل لها بهاء السكت رُدّ عليه بكونها كلمة مستقلة‏.‏ ومثلوا للام بطَيْسَل وزَيْدَل وعَبْدَل، والأصل طَيْس وهو الكثير، وزيد، وعبد، ومن مثل لها بلام ذلك وتلك رد عليه بردهاء السكت‏.‏

فصل في همزة الوصل

همزة الوصل‏:‏ هي التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن وتسقط عند وصل الكلمة بما قبلها‏.‏

ولا تكون في حرف غير ألْ، ومثلها أم في لغة حمْير، ولا في فعل مضارع مطلقاً، ولا في ماض ثلاثيّ كأمر وأخذ أو رُباعيّ كأكرم وأعطى بل في الخُماسيّ كانطلق واقتدر والسداسي كاستخرج واحرنجم وأمرهما وأمر الثلاثيّ الساكن ثاني مضارعه لفظا كاضرب بخلاف، نحو‏:‏ هب وعد وقل، ولا في اسم إلاَّ في مصادر الخُماسيّ والسداسي كانطلاق واستخراج وعشرة أسماء مسموعة وهي اسمٌ واسْتٌ، وابنٌ، وابنُمٌ وابنة، وامْرُؤٌ، وامرأة، واثنان، واثنتان، وايْمُنُ المختصة بالقسم، وما عدا ذلك فهمزته همزة قطع‏.‏

ويجب فتح همزة الوصل في أل‏}‏، وضمها في نحو انطُلِق واستُخْرِج، مبنيين للمجهول، وأمر الثلاثيّ المضموم العين أصالة كادْخُل واكتُب، بخلاف امْشُوا واقْضوا، مما جعلت كسرة عينه ضمة لمناسبة الواو فتكسر الهمزة بخلاف عكسه مما جعلت ضمة العين فيه كسرة لمناسبة الياء، كاغزِي، فيترجح الضم على الكسر كما يترجح الفتح على الكسر في أيْمُن وأيم، والكسر على الضم في اسم، ويجوزان مع الإشمام في، نحو‏:‏ اختار وانقاد مبنيين للمجهول، ويجب الكسر فيما بقي من الأسماء العشرة، والمصادر، والأفعال‏.‏

وتحذف لفظاً لا خطاً إن سبقت بكلام ولفظاً وخطاً في ابن مسبوق بعلم وبعده علم بشرط كونه صفة للأول والثاني أبا له ما لم يقع أول السطر وفي بسم اللّه الرحمن الرحيم قال بعض الشعراء مشيراً إلى ذلك‏:‏

أفي الحق أن يُعْطَى ثلاثون شاعراً ويُحْرَمُ ما دون الرضـا شاعـرٌ مِثْلي

كما سامحـوا عَمْراً بـواو مزيدة وضُويق «بسم اللّه» في ألفِ الوصلِ

وإن وقعت بعد همزة استفهام، فإن كانت مكسورة حذفت، نحو‏:‏ ‏{‏اتخذناهم سِخْرِيّاً‏}‏، ‏{‏أسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ‏}‏، أبنك هذا اسمك على بخلاف ما إذا كانت مفتوحة فإنها تبدل وقد تسهل، نحو‏:‏ ‏{‏اللّه أذِنَ لكم‏}‏، كما تحذف همزة «ألْ» خطاً ولفظاً إذا دخلت عليها اللام الحرفية، سواء كانت للجر، او لام القسم والتوكيد، او الاستغاثة، أو للتعجب، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏للْفُقَرَاءِ والمَسَاكينِ‏}‏، ‏{‏وإنَّه لَلْحَقّ مِنْ رَبِّكَ‏}‏، ‏{‏وَلَلآخرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى‏}‏‏.‏

وكقول الشاعر‏:‏

يَا للرِّجال عَلَيْكُمُ حَمْلَتي حُسِبَتْ ***

ونحو يا للسْماء والعُشْب‏.‏ ولا تحقق مطلقاً إلاَّ في الضرورة كقوله‏:‏

ألا لا أَرَى اثْنَينِ أَحْسَنَ شِيْمَةً *** عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مِنِّي وَمِنْ جُمْلِ

الإعلال والإبدال

الإعلال‏:‏ هو تغيير حرف العلة للتخفيف بقلبه أو إسكانه أو حذفه‏.‏

فأنواع ثلاثة‏:‏ القلب، والإسكان، والحذف‏.‏

وأما الإبدال‏:‏ فهو جعل مُطْلَق حرف مكان آخر‏.‏ فخرج بالإطلاق الإعلال بالقلب، لاختصاصه بحروف العلة، فكل إعلال يقال له إبدال ولا عكس إذ يجتمعان في، نحو‏:‏ قال ورمى، وينفرد الإبدال في نحو اصطبر وادّكر‏.‏ وخرج بالمكان العِوَض، فقد يكون في غير مكان المعوَّض منه، كتاءَيِ عِدَة واستقامة وهمزتي ابن واسم‏.‏ وقال الأشمونيّ‏:‏ قد يُطْلق الإبدال على ما يعم القلب إلاَّ أن الإبدال إزالة والقلب إحالة، والإحالة لا تكون إلاَّ بين الأشياء المتماثلة، ومن ثَمَّ اختص بحروف والهمزة، لأنها تقاربها بكثرة التغيير‏.‏

واعلم أن الحروف التي تبدل من غيرها ثلاثة أقسام‏:‏

ما يُبدل إبدالاً شائعاً للإدغام، وهو جميع الحروف إلاَّ الألف وما يبدل إبدالا نادراً وهو ستة أحرف‏:‏ الحاء والخاء والعين المهملة والقاف والضاد والذال المعجمتان، كقولهم في وُكْنة، وهي بيت القطا في الجبل‏:‏ وُقْنة، وفي أغنّ‏:‏ أخَنّ، وفي رُبَع رُبح، وفي خَطَر غَطَر، وفي جَلْد جَضْد، وفي تلعثمَ تلَعْذَم‏.‏

وما يُبدل إبدالاً شائعاً لغير إدغام، وهو اثنان وعشرون حرفاً، يجمعها قولك‏:‏ «لجد صرف شكس أمن طي ثوب عزته»، والضروري منها في التصريف تسعة أحرف يجمعها قولك‏:‏ «هَدَأتُ مُوطِيا»، وما عداها فإبداله غير ضروري فيه كقولهم في أُصَيْلان‏:‏ «تصغير أُصْلان، بالضم على ما ذهب إليه الكوفيون، جمع أصيل، أو هو تصغير أصيل وهو الوقت بعد العصر»، أُصَيلال وفي اضطجع إذا نام الْطَجع وفي، نحو‏:‏ عليّ علماً في الوقف أو ما جرى مجراه‏:‏ عِلجّ بإبدال النون لاماً في الأوَّل، والضاد لاماً في الثاني والياء جيماً في الثالث‏.‏

قال النابغة‏:‏

وَقَفْتُ فِيها أُصَيْلالاً أُسَائِلُهَا *** أَعْيَتْ جَوَاباً وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ

وقال منظور بن حّبَّة الأسدي في ذئب‏:‏

لَمَّا رَأَى أَن لا دَعَهْ وَلا شِبَعْ *** مَالَ إلَى أرْطَاةِ حِقْفٍ فَالطَجَعْ

وقال آخر‏:‏

خاليِ عُوَيْـفُ وَأبُـو عَلِـجّ *** المُطـعمانِ اللَّحْـمَ بِالعَشِجّ

يريد أبا علي والعشي، وتسمى هذه اللغة عَجْعَجَة قُضاعة، واشترط بعضهم فيه أن تكون الجيم مسبوقة بعين كما في البيت، وبعضهم يطلق مستدلاً بقوله‏:‏

لا هُمّ إِن كنت قبلتَ حِجَّتِجْ *** فلا يزال شاحِجٌ يأتيك بِجْ

أَقْمَرُ نَهَّاتٌ يُنَزِّي وَفْرَتِجْ ***

1- الإعلال في الهمزة

1- تقلب الياء والواو همزة وجواباً في أربعة مواضع‏.‏

الأوَّل‏:‏ أن تتطرفا بعد ألف زائدة كسماء وبناء، أصلهما سَماوٌ وَبِنايٌ، بخلاف، نحو‏:‏ قال، وباع، وإداوة- وهي المِطْهرة- وهداية، لعدم التطرف ونحو دَلْو وظَبْي، لعدم تعدم الألف ونحو‏:‏ آية وراية لعدم زيادتها‏.‏

وتشاركهما في ذلك الألف، فإنها إذا تطرفت بعد الألف زائدة أبدلت همزة كحمراء إذ أصلها حمرى كسكرى زيدت ألف الآخر للمدّ كألف كتاب، فقلبت الأخيرة همزة‏.‏

الثَّاني‏:‏ أن تقعا عينا لاسم فاعل فعل أعلتا فيه، نحو‏:‏ قال وباع أصلهم قاول وبايع بخلاف، نحو‏:‏ عَيِنَ فهو عَايِن، وعَوِرَ فهو عَاوِر، لأن العين لما صحت في الفعل، خوف الإلباس بعان وعار، صحت في اسم الفاعل تبعاً للفعل‏.‏

الثَّالث‏:‏ أن تقعا بعد ألف مفاعل وشبهه وقد كانتا مدتين زائدتين في المفرد كعجوز وعجائز وصحيفة وصحائف بخلاف، نحو‏:‏ قَسْوَر، وهو الأسد، وقَسَاوِر، لأن الواو ليست بمدة ومَعِيشة ومعايِش، لأن المدة في المفرد أصيلة، وشذّ في مُصيبة مَصَائب، وفي مَنَارة مَنَائِر، بالقلب مع أصالة المدّة في المفرد، وسهَّله شَبَه الأصليِّ بالزائد‏.‏

وتشاركهما في ذلك الحكم الألفُ، كرِسَالة ورسائل، وقِلادَة وقَلائِد‏.‏

الرَّابع‏:‏ أن تقعا ثانيتي لينين بينهما ألف «مَفَاعِل»، سواء كان اللِّينان ياءين، كنَيِائف جمع نيِّف، وهو الزائد على العِقد، أو واوين كأوائل جمع أوَّل، أو مختلفين كسيائد جمع سيِّد، أصله سيود، وأما قول جَنْدل بن المثنَّى الطُّهَوِيّ‏:‏

وَكَحَّلَ العينين بِالعَوَاوِرِ ***

من غير قلب فلان أصله بالعواوير، كطواويس، وقد تقدَّم جواز حذف ياء مفاعيل ولا صُحِّح‏.‏

وتختص الواو بقلبها همزة إذا تصدرت قبل واو متحركة مطلقاً، أو ساكنة متأصلة الواوية، نحو‏:‏ أواصل وأواق جمعي واصلة وواقية، ومنه قول مُهَلْهِل‏:‏

ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إِليَّ وَقَالَتْ *** يَا عَدِيّاً لَقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي

ونحو الأولى أنثى الأوَّل، وكذا جمعها وهو الأوَّل بخلاف، نحو‏:‏ هَوَويّ ونَوَويّ، في النسبة إلى هَوًى ونًوًى، لعدم التصدر، وَوُوْفِيّ وَوُعِدَ مجهولين، لعدم تأصل الثانية‏.‏

وتبدل الهمزة من الواو جوازاً في موضعين‏:‏

أحدهما‏:‏ إذا كانت مضمومة ضماً لازماً غير مشدَّدة، كوُجوه وأُجوه، ووُقوت وأُقوت، في جمع‏:‏ وقت ووجه، وأدْورُ وأَدؤُر، وأنْورُ وأَنْؤُر، جمعي دار ونار، وقَئُول وصَئُول‏:‏ مبالغة في قائل وصائل، فخرجت ضمة الإعراب، نحو‏:‏ هذا دَلْو، وضمة التقاء الساكنين، نحو‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏، وخرج بغير مشدَّدة، نحو‏:‏ التعوُّذ والتجوُّل‏.‏

ثانيهما‏:‏ إذا كانت مكسورة في أول الكلمة كأشاح وإفادة وإسادة في وِشَاح، ووِفَادة، ووِسَادة‏.‏

وتبديل الهمزة من الياء جوازاً إذا كانت الياء بعد ألف، وقبل ياء مشدَّدة كغائيّ ورائيّ‏:‏ في النسبة لغاية وراية‏.‏

وجاءت الهمزة بدلا من الهاء في ماء، بدليل تصغيره على مُويه وجمعه على أمواه‏.‏

فصل في عكس ما تقدم وهو قلب الهمزة ياء أو واواً

ولا يكون ذلك إلاَّ في بابين‏:‏

أحدهما‏:‏ باب الجمع الذي على زنة «مَفَاعِل» إذا وقعت الهمزة بعد ألف وكانت تلك الهمزة عارضة فيه وكانت لامه همزة أو واواً أو ياء فخرج باشتراط عروض الهمزة المَرائِي‏:‏ في جمع مِرْآة، فإن الهمزة موجودة في المفرد وبالأخير سلامة اللام في، نحو‏:‏ صَحَائِف وعجائز ورسائل، فلا تغير الهمزة فيما ذكر والذي استوفى الشروط يجب فيه عملان قلب كسرة الهمزة فتحة ثم قلب الهمزة ياء في ثلاثة مواضع وواواً في موضع واحد، فالتي تقلب ياء يشترط فيها أن تكون لام الواحد همزة، أو ياء أصلية أو واواً منقلبة ياء، والتي تقلب واواً يشترط فيها أن تكون لام الواحد واواً ظاهرة في اللفظ سالمة من القلب ياء‏.‏

فهذه أربعة مواضع تحتاج إلى أربعة أمثلة‏:‏

1- مثال ما لامه همزة‏:‏ خَطَايا جمع خطيئة، أصلها خَطَاييء، بياء مكسورة هي ياء المفرد وهمزة بعدها هي لامه، ثم أبدلت الياء المكسورة همزة على حد ما تقدَّم في صحائف فصار خَطَائِيء بهمزتين، ثم الهمزة الثانية ياء، لأن الهمزة المتطرِّفة إثر همزة تقلب ياء مطلقاً، فبعد المكسورة أَوْلَى، ثم قلِبت كسرة الهمزة الأولى فتحة للتخفيف، كما في المدارَى والعذارَى، ثم قلبت الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار خَطاءًا بألفين بينهما همزة والهمزة تشبه الألف فاجتمع ثلاث ألفات، وذلك مستكره، فأبدلت الهمزة ياء، فصار خطايا، بعد خمسة أعمال‏.‏

2- ومثال ما لامه ياء أصلية قضايا جمع قضية أصلها قضايِي بياءين، أبدلت الياء الأولى همزة على ما تقدَّم في، نحو‏:‏ صحائف فصار قضائِيُ، قلبت كسرة الهمزة فتحة، ثم الياء ألفاً، فصار قضاءًا، ثم قلبت الهمزة المتوسطة ياء لما تقدَّم، فصار قضايا، بعد أربعة أعمال‏.‏

3- ومثال ما لامه واو قلبت ياء في المفرد مَطِيّة، إذ أصلها مَطِيْوَة من المَطا، وهو الظهر، أو من المَطْو وهو المدّ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمتا، كما في سيِّد وميِّت، وجمعها مطايا، وأصلها‏:‏ مَطايِوُ، قلبت الواو ياء لتطرُّفها إثر كسرة، فصار مَطايِيُ، ثم قلبت الياء الأولى همزة كما تقدَّم، ثم أبدلت الكسرة فتحة فصار مَطَاءَيُ، ثم الياء ألفاً، ثم الهمزة المتوسط ياء، فصار مطايا، بعد خمسة أعمال‏.‏

4- ومثال ما لامه واو ظاهرة سلمت في المفرد‏:‏ هِرَاوَة، وهي العصا، وجمعها هَرَاوَى، أصلها هَرَائِوُ، ثم أبدلت الواو ياء، لتطرُّفها إثر كسرة، فصار هَرَائيُ، ثم فتحت كسرة الهمزة، فصار هَرَاءَيُ، ثم قلبت الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار هَرَاءَا، بهمزة بين ألفين، ثم قلبت الهمزة واواً، ليتشاكل الجمع مع المفرد، فصار هَرَاوَى، بعد خمسة أعمال‏.‏

وشذّ من هذا الباب قوله‏:‏ «حَتّى أُزِيرُوا المَنَائِيا»، والقياس المنايا، و«اللّهم اغْفِرْ لي خَطَائِئِي» والقياس خطاياي، وَهَدَاوَى جمع هَدِية، والقياس هدايا‏.‏

ثانيهما‏:‏ باب الهمزتين الملتقيتين في كلمة واحدة والتي تعل هي الثانية لأن الثقل لا يحصل إلاَّ بها فلا تخلو الهمزتان إما أن تكون الأولى متحركة والثانية ساكنة أو بالعكس أو تكونا متحركتين‏.‏

فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة، أبدلت الثانية من جنس حركة الأولى، نحو‏:‏ آمنت أومِنُ إيماناً، والأصل أأمَنْت أؤْمِن إئْمَاناً، وشذّ قراءة بعضهم‏:‏ إئْلافِهِمْ، بتحقيق الهمزة الثانية‏.‏

وإن كانت الأولى ساكنة والثانية متحركة، ولا تكونان إلاَّ في موضع العين أو اللام، فإن كانتا في موضع العين أدغمت الأوَّل في الثانية، نحو‏:‏ سَآل مبالغة في السؤال، ولآَّل ورآَّس في النسب لبائع اللُّؤْلؤ والرُّءوس‏.‏ وإن كانتا في موضع اللام أبدلت الثانية ياء مطلقاً فتقول في مثال قِمَطْر من قرأ قِرَأى، في مثال سَفَرجَل منه‏:‏ قَرَأيَأ‏.‏

وإن كانتا متحركتين، فإن كانتا في الطّرَف أو كانت الثانية مكسورة أبدلت ياء مطلقاً وإن لم تكن طرفا وكانت مضمومة أبدلت واواً مطلقاً وإن كانت مفتوحة، فإن انفتح ما قبلها أو انضم أبدلت واواً وإن انكسر أبدلت ياء ويجوز في، نحو‏:‏ رَأس ولُؤم وبِئْر، إبقاؤها وقلبها من جنس حركة ما قبلها وفي، نحو‏:‏ وضوء ومجيء، يجوز إبقاؤها وقلبها من جنس ما قبلها مع الإدغام‏.‏

2- الإعلال في حروف العلة

أ- قلب الألف والواو ياء

تقلب الألف ياء في مسألتين‏:‏

الأولى‏:‏ أن ينكسر ما قبلها كما في تكسير وتصغير، نحو‏:‏ مصباح ومفتاح تقول فيهما مصابيح ومفاتيح، ومُصَيْبيح ومُفَيتيح‏.‏

الثانية‏:‏ أن تقع تالية لياء التصغير كقولك في غلام غُلَيَّم وتقلب الواو ياء في عشرة مواضع‏.‏

أحدها‏:‏ أن تقع بعد كسرة في الطرف، كَرِضِيَ وقَوِيَ وعُفَيّ مبنياً للمجهول، والغازِي والداعِي؛ أو قبل تاء التأنيث كشَجِيَة وأكْسِيَة وغازِية وعُرَيْقِيَة تصغير عَرْقُوَة، وشذّ سَوَاسِوَة‏:‏ جمع سواء، أو قبل الألف والنون الزائدتين، كقولك في مثال قَطِران بفتح فكسر من الغزو‏:‏ غَزِيان‏.‏

ثانيها‏:‏ أن تقع عينا لمصدر فعل أعلت فيه وقبلها كسرة وبعدها ألف، كصيام وقيام وانقياد واعتياد فخرج، نحو‏:‏ سِوار وسِواك بكسر أولها، لانتفاء المصدرية، ولِوَاذ وجِوار لعدم إعلال عين الفعل في لاوَذ وجَاوَر، وحال حِوَلاً وعاد المريضَ عِوَداً، لعدم الألف فيهما وراح رواحاً، لعدم الكسر، وقل الإعلال فيما عدم الألف كقراءة بعضهم‏:‏ ‏{‏جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لّلنّاسِ‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 97‏)‏، وشذّ الصحيح مع استيفاء الشروط في قولهم‏:‏ نَارَت الظَّبية تَنُور نِوَاراً بكسر النون‏:‏ أي نفرت، وشار الدابة شِوَاراً بالكسر‏:‏ راضها، ولا ثالث لهما‏.‏

ثالثها‏:‏ أن تكون عيناً لجمع صحيح اللام وقبلها كسرة وهي في مفرده إما مُعتلَّة، كدار وديار وحِيلة وحِيَل ودِيمة ودِيَم وقِيمة وقِيَم، وشذّ حِوَج بالواو في حاجة، وإما شبيهة بالمعلة وهي الساكنة بشرط أن يليها في الجمع ألف، كسوط وسياط وحوض وحِياض وروض ورِياض، فإن عدمت الألف صحت الواو، نحو‏:‏ كُوز وكِوَزة وشذّ ثِيْرة جمع ثَوْر‏.‏

وكذا إن تحركت في مفرده، كطويل وطوال، وشذّ الإعلال في قول أنَيْفِ ابن زَيَّان النَّبْهانيّ الطاَّئيّ‏:‏

تَبَيَّنْ لِي أَنَّ القَمَاءَةَ ذلَّةٌ وَأَنَّ أَعِزَّاءَ الرِّجَالِ طِيَالُها

وتسلم الواو أيضاً إن أعلت لام المفرد كجمع ريان وجو فيقال فيهما رواء وجواء بكسر الفاء وتصحيح العين لئلا يتوالى في الجمع إعلالان قلب العين ياء وقلب اللام همزة‏.‏

رابعها‏:‏ أن تقع طَرَفا رابعة فصاعداً بعد فتح، نحو‏:‏ أعْطَيْتُ وزكَّيْتُ ومُعْطَيَان ومُزَكيَّان، بصيغة اسم المفعول حملوا الماضي المزيد على مضارع واسم المفعول على اسم الفاعل‏.‏

خامسها‏:‏ أن تقع متوسطة إثر كسرة وهي ساكنة مفردة كميزان وميقات، فخرج نحو‏:‏ صِوان وهو وعاء الشيء، وسِوَار لتحرك الواو فيهما، ونحو‏:‏ اجْلِوَّاذ، وهو إسراع الإبل في السير، واعْلِوَّاط، وهو التعلق بعنق البعير بقصد الركوب، لأن الواو فيهما مكررة لا مفردة‏.‏

سادسها‏:‏ أن تكون الواو لاماً لفعلى بضم فسكون وصفاً، نحو‏:‏ الدنيا والعليا وقول الحجازيين القصوى شاذّ قياساً فصيح استعمالا نبه به على الأصل وبنو تميم يقولون‏:‏ القُصْيَا على القياس، فإن كانت فعلى اسماً تغير كحُزْوَى‏:‏ لموضع‏.‏

سابعها‏:‏ أن تجتمع هي والياء في كلمة والسابق منهما متأصل ذاتاً وسكوناً، نحو‏:‏ سيد وميت وطيّ وليّ مصدَرَي‏:‏ طويت ولويت، فخرج نحو‏:‏ يدعو، ياسر، ويرمي، واقد، لكون كل منهما في كلمة، ونحو‏:‏ طويل، وغيور، لتحرك السابق، ونحو‏:‏ ديوان، إذ أصله دِوَّان- بشدّ الواو- وبُويع، إذ أصل الواو وألف فاعَلَ، ونحو قَوْيَ، بفتح فسكون، مخفف قَوِيَ بالكسر للتخفيف، وشذّ التصحيح مع استيفاء الشروط، كضَيْوَنٍ للسِّنَّور الذكر، ويوم أَيْوَمُ حصلت فيه شدَّة، وعَوَى الكلب عَوْية، ورجاء بن حَيْوَة‏.‏

ثامنها‏:‏ أن تكون الواو لام «مَفْعُول» الذي ماضيه على «فَعِل» بكسر العين، نحو‏:‏ مَرْضِيّ ومَقْوِيّ عليه، فإن كانت عين الفعل مفتوحة صحت الواو، كمدعوّ ومغزوّ، وشذّ الإعلال في قول عبدِ يغوث الحارثيّ من الحاهليين‏:‏

وقد عَلَمِتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّني *** أنَا اللَّيْثُ مَعْدِيَّا عَلَيَّ وعادِيا

تاسعها‏:‏ أن تكون لام فعول بضم الفاء جمعا كعصيّ ودليّ وقفيّ ويقل فيه التصحيح، نحو‏:‏ أبُوٌّ وأخُوٌّ جمعي أب وأخ، ونُجُوّ جمع نَجو وهو السحاب الذي هَرَاق ماءه، وأما المفرد فالأكثر فيه التصحيح كعُلُوّ وعُتُوّ، ويقل فيه الإعلال نحو‏:‏ عَتَا الشيخ عِتِيًّا إذا كبر وقسا قلبه قِسِيّاً‏.‏

عاشرها‏:‏ أن تكون عيناً لفعل بضم الفاء وتشديد العين جمعاً صحيح اللام غير مفصولة منها، كصُيَّم ونُيَّم، والأكثر تصحيحه كصوم ونوم ويجب تصحيحه إن أعلت اللام لئلا يتوالى إعلالان، كشُوًّى وغُوًّى جمعي‏:‏ شاوٍ وغاوٍ، أو فصلت من العين، نحو‏:‏ صُوَّام ونُوَّام، وشذّ قول ذي الرُّمَّة‏:‏

أَلاَ طَرَقَتْنَا مَيَّةُ بْنَتُ مُنْذِر فَما أرَّقَ النُيَّامَ إلاَّ سَلامُها

ب- قلب الألف والياء واواً

1- وتقلب الألف واواً‏:‏ إذا انضم ما قبلها كبُويِع وضُورِب وضُوَيْرِب‏.‏

2- وتقلب الياء واواً‏:‏ إن كانت الياء ساكنة مفردة مضموما ما قبلها في غير جمع كوقن وموسر ويوقن ويوسر فخرج بساكنة، نحو‏:‏ هيام‏.‏ وبمفردة، نحو‏:‏ حيض جمع حائض‏.‏ ومضموماً ما قبلها ما إذا كان مفتوحاً أو مكسوراً أو ساكناً وبغير جمع ما إذا كانت فيه، كبِيض وهِيم جمعي‏:‏ أبيض وبيضاء وأهيم وهيماء، ويجب في هذه الحالة قلب الضمة كسرة‏.‏

وكذا تقلب الياء واواً إذا انضم ما قبلها وكانت اللام «فَعُلَ» بفتح فضم، كنهُوَ الرجل وقَضَوُ، أو كان ما هي فيه مختوما بتاء بنيت الكلمة عليها كأن تَصُوغ من الرَّمْي مثل مقْدُرة، فإنك تقول‏:‏ مَرْمُوَة، أو كانت هي لام اسم ختم بألف ونون مزيدتين كأن تصوغ من الرَّمْي أيضاً مثل سَبُعَان، بفتح فضم‏:‏ اسم موضع، فإنك تقول‏:‏ رَمُوان‏.‏

وكذا تقلب واواً إن كانت لاماً «لفَعْلَى» بفتح الفاء اسماً لا صفة، كتَقْوَى وشَرْوَى، وهو المِثْل، وفَتْوَى‏.‏ وشذّ التصحيح في سَعْيا‏:‏ لمكان، وريّا‏:‏ للرائحة، وكذا إن كانت الياء لفعلى بضم الفاء اسماً كطُوبى، أو صفة جارية مجرى الأسماء، وكانت مؤنث أفعل كطُوبى وكُوسَى وخُوْرَى، مؤنثات أطْيَبَ وأكْيَسَ وأخير، فإن كانت «فُعْلَى» صفة محضة، وجب تصحيح الياء وقلب الضمة كسرة ولم يسمع منه إلاَّ قسمة ضيزى أي جائرة ومشية حيكى أي يتحرك فيها المنكبان، وقال بعضهم‏:‏ إن كانت «فُعْلَى» وصفاً‏:‏ فإن سلمت الضمة قلب الياء واواً، وإن قلبت كسرة بقيت الياء فتقول‏:‏ الطُّوبَى والطِّيبَى والضُّوقَى والضِّيقى، والكوسَى والكِيسَى‏.‏

ج- قلب الواو والياء ألفاً

تقلب الواو والياء ألفاً بعشرة شروط‏:‏

الأوَّل‏:‏ أن يتحركا‏.‏

الثَّاني‏:‏ أن تكون أصلية‏.‏

الثَّالث‏:‏ أن يكون ما قبلهما مفتوحاً‏.‏

الرَّابع‏:‏ أن تكون الفتحة متصلة في كلمتيهما‏.‏

الخامس‏:‏ أن يتحرك ما بعدهما إن كانتا عينين، وألاَّ يقع بعدهما ألف ولا ياء مشدَّدة إن كانتا لامين‏.‏

فخرج بالأول القول والبيع لسكونهما وبالثاني جَيَل وتَوَم بفتح أولهما وثانيهما مخففي جَيْأل وتوأم بفتح فسكون ففتح فيهما الأوَّل اسم للضبع والثاني للولد يولد معه آخر، وبالثالث العِوَض والجِيَل والسُّوَر، بالكسر في الأولين والضم في الثالث، وبالرابع ضربَ وَاقد، وكتبَ يَاسر، وبالخامس بَيَان وطَوِيل وخَوَرْنَق‏:‏ اسم قصر بالعراق، لسكون ما بعدهما، ورَمَيَا وغَزَوَا وفَيَتان وعَصَوَان، لوجود الألف، وعَلَوِيّ وفَتَوِيّ، لوجود ياء النسب المشددة‏.‏

الشرط السادس‏:‏ ألاّ تكونا عينا لفعل بكسر العين الذي الوصف منه على أفعل كهَيِف فهو أهْيَف، وعَوِر فهو أعور، وأما إذا كان الوصف منه على غير أفعل فإنه يُعَلّ، كخاف وهاب‏.‏

السابع‏:‏ ألاّ تكونا علنا لمصدر هذا الفعل كالهَيَف وهو ضُمور البطن، والعَوَر، وهو فقد إحدى العينين‏.‏

الثامن‏:‏ ألاّ تكون الواو عينا لافتعل الدال على التشاكر في الفعل كاجْتَوَرُوا واشْتَوَرُوا بمعنى تجاوروا وتشاوروا، فإن لم يدل على التشارك وجب إعلاله، كاخْتَان بمعنى خان واختار بمعنى خار‏.‏ وأما الياء فلا يشترط فيها عدم الدلالة على ذلك، ولذلك أعِلّت في استافوا‏:‏ بمعنى تسايفوا، أي تضاربوا بالسيوف، لقربها من الألف في المخرج‏.‏

التاسع‏:‏ ألاّ تكون إحداهما متلوّة بحرف يستحق هذا الإعلال، فإن كانت كذلك صحت الأولى وأعلت الثانية، نحو‏:‏ الحيا والهوى وربما عكسا بتصحيح الثانية وإعلال الأولى كآية أصلها أيَيَة كقصبة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً فصادية وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله‏:‏

وإنْ لِحرْفَيْنِ ذا الإعْلاَلِ اسْتُحِقّ *** صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قد يَحِقّ

العاشر‏:‏ ألاّ تكونا عينين لما آخره زيادة مختصة بالأسماء كالألف والنون وألف التأنيث، نحو‏:‏ الجَوَلاَن والهَيَمَان مصدري جَالَ وهَامَ، والصُّوَرَى اسم محل، والحَيَدَى‏:‏ وصف للحمار الحائد عن ظله‏.‏

وشذّ الإعلال في ماهان وداران، والأصل‏:‏ مَوَهان ودَوَران، بفتحات فيهما‏.‏

فصل في فاء الافتعال وتائه

1- إذا كانت فاء الافتعال واواً أو ياء أصلية أبدلت تاء وأدغمت في تاء الافتعال وكذا ما تصرف منه، نحو‏:‏ اتَّعَد واتَّصَل واتَّسَر من الوعد والوصل واليُسر، وإن كانت الياء أو الواو بدلاً من همزة فلا يجوز إبدالها تاء وإدغامها في تاء الافتعال في، نحو‏:‏ إيتَزَر من الإزار، لأن الياء ليست أصلية ونحو أوتمن من الأمن، لأن الواو ليست أصلية وشذّ في افتعل من الأكل اتَّكَلَ‏.‏

2- وإذا كانت فاؤه صاداً أو ضاداً أو طاء أو ظاء، وتسمى أحرف الإطباق، وجب إبدال تائه طاء في جميع التصاريف فتقول في افتعل من الصبر اصطبر ولا يجوز في الفصيح الإدغام، ومن الضرب اضطرب بلا إدغام أيضاً وجاء قليلاً اصلح واضرب بقلب الثاني إلى الأوَّل ثم الإدغام‏.‏ وتقول من الطهر بالطاء المهملة‏:‏ اطهّر، وفي هذه الحالة يجب الإدغام لاجتماع المثلين وسكون أولهما‏.‏ ومن الظلم بالمعجمة اضْطَلم بمعجمة فمُهْمَلة‏.‏

ويجوز لك فيه ثلاثة أوجه‏:‏ إظهار كل منهما على الأصل، وإبدال الظاء المعجمة طاء مهملة مع الإدغام، فتقول اطّلم بالمهملة‏.‏ وإبدال الطاء المهملة ظاء والإدغام أيضاً فتقول‏:‏ اظّلم بالمعجمة، وقد رُوِي قول زُهير بمدح هَرِمَ بن سِنان‏:‏

هُوَ الجَوَادُ الذيِ يُعْطِيكَ نَائِلَهُ *** عَفْواً وَيُظْلَمُ أحْيَاناً فَيَظَّلِمُ

فيَطَّلِمُ بتشديد المهملة، ويَظّلِمُ بتشديد المعجمة، ويَظْطَلِم بالإظهار‏.‏

3- وإذا كانت فاؤه دالاً أو ذالاً أو زاياً أبدلت تاؤه دالاً مهملة، فتقول في «افْتَعَل» من دان‏:‏ ادّان بالإبدال والإدغام، لوجود المثلين وسكون أولهما، ومن زَجَر ازْدَجَر، بلا إدغام، ومن ذَكَر اذْدَكَر‏.‏

ولك في هذا المثال الثلاثة الأوجه المتقدمة في اظطلم، فتقول‏:‏ اذْدَكَر وادَّكر واذَّكَر‏.‏ وَقُرِئ شاذاً «فهل من مُذّكِر» بالذال المعجمة والإدغام‏.‏

وسمع إبدال تاء الإفعال صادا مع الإدغام وعليه قراءة «وهم يَخِصِّمُون» أي يَخْتَصِمُون‏.‏

فصل إبدال الميم من الواو ومن النون

1- تُبْدل الميم من الواو وجوبا في «فم»، إذا لم يضف إلى ظاهر أو مضمر، ودليل ذلك تكسيره على أفواه، والتسكير يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها وربما بقي الإبدال مع الإضافة كقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ «لَخُلُوِف فم الصائمِ أطيبُ عند اللّهِ من ريحِ المسك»، وقول رُؤْبة‏:‏

يُصْبحُ ظمآنَ وفي البَحْرِ فَمُهُ ***

2- ومن النون بشرط سكونها ووقوعها قبل باء من كلمتها أو من غيرها، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا‏}‏ ‏(‏الشمس‏:‏12‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏مَن بَعَثَنَا مِن مّرْقَدِنَا‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 52‏)‏‏؟‏‏.‏

وأبدلت الميم من النون شذوذاً في قول رُؤْبة‏:‏

يا هَالَ ذاتَ المنطِقِ التَّمْتَام *** وَكفكَ المُخضَّــبِ البَـنَام

أصله البنان وجاء العكس كقولهم‏:‏ أسْوَدُ قَاتِنٌ، أي قاتم بإبدال الميم نوناً‏.‏

الإعلال بالنقل

تنقل حركة المعتلّ إلى ساكن الصحيح قبله مع بقاء المعتلّ إن جانس الحركة كيقول ويبيع أصلهما يقول كينصر ويبيع كيضرب وإلا قلب حرفا يجانسها كيخاف ويخيف أصلهما يخوف كيعلم ويخوف كيُكْرم‏.‏

ويمتنع النقل إن كان الساكن معتلاً كبايع وعَوَّق، وبَيّنَ بالتشديد فيهما، كما يمتنع أيضاً إن كان فعل تعجب نحو‏:‏ ما أبيَنه وأقوَمه، أو كان مضعَّفاً نحو‏:‏ أبيض وأسود أو معتلّ اللام، نحو‏:‏ أحْوَى وأهْوَى‏.‏

وينحصر الإعلال بالنقل في أربعة مواضع‏:‏

الأوَّل‏:‏ الفعل المعتلّ عيناً كما مُثِّل‏.‏

الثَّاني‏:‏ الاسم المشبه للفعل المضارع وزناً فقط، بشرط أن يكون فيه زيادة يمتاز بها عن الفعل كالميم في مَفْعَل، أو زيادة لا يمتاز بها فالأولى كمقام ومعاش أصلهما مَقْوَم ومَعْيَش على زنة مَذْهب، فنقلوا وقلبوا، وأما مَدْيَنَ ومَرْيَم فشاذَّان، والقياس مَدَان ومَرَام، وعند المبرد لا شذوذ، لأنه يشترط في مفعل أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال والثاني كأن تبنى من البيع أو القول اسماً على زنة «تِحْلِئِ» بكسرتين بينهما ساكن وآخره همزة اسم للقشر الذي على الأديم مما يلي منبت الشعر فإنك تقول تبيع وتقيل بكسرتين متواليتين بعدهما ياء فيهما، فإن أشبه في الوزن والزيادة، نحو‏:‏ أبيض وأسود أو خالفه فيهما، نحو‏:‏ مِخْيط وجب التصحيح‏.‏

الثَّالث‏:‏ المصدر الموازن للأفعال والاستفعال، نحو‏:‏ إقوام واستقوام‏.‏ ويجب حذف إحدى الألفين بعد القلب لالتقاء الساكنين، وهل المحذوف الأولى أو الثانية‏؟‏ خِلاف، والصحيح إنها الثانية لقربها من الآخر، ويؤتى بالتاء عِوضاً عنها، فيقال‏:‏ إقامة واستقامة، وقد حذف كأجاب إجابا وخصوصاً عند الإضافة، نحو‏:‏ ‏{‏وَإِقَامَ الصّلاَة‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 73‏)‏، ويقتصر فيه على ما سمع، وورد تصحيح فعال واستفعال وفروعهما، نحو‏:‏ أعوَل إعوالاً، واستحوذ استِحْواذاً، وهو إذن سماعيّ أيضاً‏.‏

الرابع‏:‏ صيغة «مفْعُول»، كمقُول زمَبيع، بحذف أحد المدَّين فيهما، مع قلب الضمة كسرة في الثاني، لئلا تنقلب الياء واواً، فيلتبس الواوي باليائيّ، وبنو تميم تصحح اليائيّ، فيقولون مَبْيوع ومَدْيون ومَخْيوط، وعليه قول العبَّاس بن مِرْداس السُّلَمِيّ‏:‏

قَدْ كان قَوْمُكَ يَحْسِبُونَك سَيِّداً *** وَإِخَـالُ أَنَّكَ سَـيِّـدٌ مَغْيُونُ

وعلى ذلك لغة عامة المصريين في قولهم فلان مَدْيُون لفلان‏.‏

وربما صحح بعض العرب شيئاً من ذوات الواو فقد سُمِع‏:‏ ثوب مَصْوُون، وفرس مَقْوُود، وقول مَقْوُول، ومِسْك مَدْوُوف، أي مبلول‏.‏

الإعلال بالحذف

الحذف قسمان‏:‏ قياسيّ، وهو ما كان لعلة تصريفية سوى لتخفيف؛ كالاستثقال والتقاء الساكنين وغير قياسيّ وهو ما ليس لها ويقال له الحذف اعتباطاً فالقياسيّ يدخل في ثلاث مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ تتعلق بالحرف الزائد في الفعل‏.‏

والثانية‏:‏ تتعلق بفاء الفعل المثال ومصدره‏.‏

والثالثة‏:‏ تتعلق بعين الفعل الثلاثيّ الذي عينه ولامه من جنس واحد، عند إسناده لضمير الرفع المتحرك‏.‏

المسألة الأولى‏:‏ إذا كان الماضي على وزن «أفْعَلَ»، فإنه يجب حذف الهمزة من مضارعه ووصفيه ما لم تبدل كراهة اجتماع الهمزتين في المبدوء بهمزة المتكلم وحًمِل غيره عليه، نحو‏:‏ أكرَمَ ويُكْرِم ونُكْرِم وتُكْرِم ومُكْرِم ومُكْرَم، وشذّ قوله‏:‏

فإنَّه أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا ***

فلو أبدت همزة «أفْعَلَ» هاء، كهَرَاق في أراق، أو عيناً كعَنْهَلَ الإبل‏:‏ لغة في أنْهَلَهَا، أي سقاها نَهَلاً، ثم تحذف وتفتح الهاء والعين في جميع تصاريفهما‏.‏

وأما المسألة الثانية‏:‏ فقد تقدمت في حال المثال فارجع إليها إن شئت‏.‏

والمسألة الثالثة‏:‏ متى كان الفعل الماضي ثُلاثياً مكسور العين وكانت هي ولامه من جنس واحد جاز لك فيه عند إسناده للضمير المتحرك ثلاثة أوجه الإتمام وحذف العين منقولة حركتها للفاء وغير منقولة كظللت بالإتمام وظلت بحذف اللام الأولى ونقل حركتها لما قبلها وظلت محذوف اللام بدون نقل‏.‏ فإن زاد على ثلاثة تعين الإتمام، نحو‏:‏ أقررت وشذّ أحست في حسست كما يتعين الإتمام لو كان ثُلاثياً مفتوح العين، نحو‏:‏ حللت وشذّ هَمْتُ في هَمَمْتُ‏.‏

وأما إن كان الفعل المكسور العين مضارعاً أو أمراً اتصل بنون نسوة، فيجوز فيه الوجهان الأولان فقط، نحو‏:‏ يَقْرِرْنَ ويَقِرْنَ واقْرِرْنَ وقِرْنَ، لأنه لما اجتمع مثلان أولهما مكسور حسن الحذف كالماضي قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 33‏)‏، فإن كان أول المثلين مفتوحاً كما في لغة قرِرت أقَرُّ بالكسر في الماضي، والفتح في المضارع، قلّ النقل كقراءة نافع وعاصم‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 33‏)‏‏.‏

وأما القسم الثاني من القياسيّ، وهو الحذف لالتقاء الساكنين فسيأتي له باب مستقل إن شاء اللّه‏.‏

وأما غير القياسيّ فكحذف الياء من، نحو‏:‏ يَدٍ ودَمٍ، أصلهما يَدَيٌ ودَمَيٌ، والواو من، نحو‏:‏ اسم وابن وشَفَة، أصلها‏:‏ سِمْوٌ وَبَنَوٌ وَشَفَوٌ، والهاء من نحو‏:‏ است، أصله سَتَةٌ، والتاء من نحو‏:‏ اسْطَاع أصله استطاع في أحد وجهين‏.‏

الإدغام

بسكون الدال وشدّها‏.‏ والأول عبارة الكوفيين، والثانية عبارة البصريين وبها عبَّر سيبويه‏.‏ وهو لغة الإدخال، واصطلاحاً‏:‏ الإتيان بحرفين ساكن فمتحرك من مخرج واحد بلا فصل بينهم بحيث يرتفع اللسان وينحط بهما دفعة واحدة وهو باب واسع لدخوله في جميع الحروف ما عدا الألف اللينة ولوقوعه في المتماثلين والمتقاربين في كلمة وفي كلمتين‏.‏

وينقسم إلى ممتنع وواجب وجائز‏:‏

1- فمن الممتنع ما إذا تحرك أول المثلين وسكن الثاني، نحو‏:‏ ظللت أو عكس وكان الأوَّل هاء سكت، نحو‏:‏ ‏{‏مَالِيَهْ، هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ‏}‏ ‏(‏الحاقة‏:‏ 28- 29‏)‏، لأن الوقف منويّ وقد أدغهما ورش على ضعف أو كان مدة في الآخر، كيدعو واقد، ويُعْطي ياسر، لفوات الغرض المقصود وهو المد أو كان همزة مفصولة من فاء الكلمة كلم يقرأ أحد والحق إن الإدغام هنا رديء‏.‏ أو تحركا وفات بالإدغام غرض لإلحاق كقَرْدَدٍ وجَلْبَبَ، أو خيف اللبس بزنة أخرى، نحو‏:‏ دُرَر كما سيأتي‏.‏

2- ويجب إذا سَكَن أولُ المثلين وتحرّك الثاني، ولم يكن الأوَّل مدا ولا همزة مفصولة من الفاء كما تقدَّم، نحو‏:‏ جد وحظ وسئأل ورآس بزنة فعّال وكذا إذا تحركا معا بأحد عشر شرطاً‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكونا في كلمة كمدّ وملّ وحبّ أصلها مدد بالفتح وملل بالكسر وحبب بالضم وأما إذا كانا في كلمتين فيكون الإدغام جائزا، نحو‏:‏ جعل لكم‏.‏

ثانيها‏:‏ ألاّ يتصدر أحدهما كدَدَن وهو اللّهو‏.‏

ثالثها‏:‏ ألاّ يتصل بمدغم كَجُسّسٍ جمع جاسّ‏.‏

رابعها‏:‏ ألاّ يكونا في وزن ملحق بغيره، كقَرْدَد‏:‏ لجبل، فإنه ملحق بجعفر، وجَلْبَبَ فإنه ملحق بدحَرجَ، واقعنسَسَ فإنه ملحق باحرنجم‏.‏

خامسها وسادسها وسابعها وثامنها‏:‏ ألاَّ يكونا في اسم على وزن «فَعَلٍ» بفتحتين كَطَلَل، وهو ما بقي من آثار الديار، أو«فُعُلٍ» بضمتين كَذُلُل، جمع ذَلُول‏:‏ ضد الصعْب، أو «فِعَلٍ» بكسر ففتح كَلِمَم جمع لِمَّة، وهي الشعر المجاوز شحمة الأذن، أو «فُعَل» بضم ففتح، كَدُرَر جمع دُرّة، وهي اللؤلؤة‏.‏ فإن تصدر أو اتصل بمدغم، أو كان الوزن ملحقاً، أو كان في اسم على زنة فَعَل، أو فِعَل، أو فُعَل، امتنع الإدغام‏.‏

الشرط التاسع‏:‏ ألاَّ تكون حركة إحداهما عارضة، كاخْصُصَ أبِي واكْفُفِ الشر‏.‏

العاشر‏:‏ ألاّ يكونا يائين لازماً تحريك ثانيهما، كحَيِيَ وعَيِيَ‏.‏

الحادي عشر‏:‏ ألاّ يكونا تائين في «افتعل» كاستتر، واقتتل‏.‏

3- وفي الصور الثلاث الأخيرة يجوز الإدغام والفك‏.‏

كما يجوز أيضاً في ثلاثٍ أُخَر‏:‏

إحداها‏:‏ أُولَى التائين الزائدتين في أول المضارع، نحو‏:‏ تتجلى وتتعلم وإذا أدغمت جئت بهمزة وصل في الأوَّل للتمكن من النطق خلافاً لابن هاشم في توضيحه حيث رد على ابن مالك وابنه بعدم وجود همزة وصل في أول المضارع ولكنهما حجة في اللغة العربية تقول في إدغام، نحو‏:‏ اسْتَتر واقتتل سَتّر وقَتّل سِتّاراً، بنقل حركة التاء الأولى للفاء، وإسقاط همزة الوصل وهو خُماسيّ بخلاف، نحو‏:‏ ستر بالتضعيف كفعل فمصدره التفعيل وتقول في، نحو‏:‏ تَتَجَلّى وتَتَعَلم‏:‏ اتَّجَلى، وَاتَّعَلّمُ‏.‏

وإذا أردت التخفيف في الابتداء حذف إحدى التاءين وهي الثانية قال تعالى‏:‏ ‏{‏نَاراً تَلَظّىَ‏}‏ ‏(‏الليل‏:‏ 14‏)‏، ‏{‏وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 143‏)‏، وقد تحذف النون الثانية من المضارع أيضاً وعليه قراءة عاصم‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 88‏)‏، أصله ننجي بفتح الثاني‏.‏

ثانيتها وثالثتها‏:‏ الفعل المضارع المجزوم بالسكون والأمر المبني عليه، نحو‏:‏ ‏{‏وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 217‏)‏، يقرأ بالفك وهو لغة الحجازيين والإدغام وهو لغة التميميين ونحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 19‏)‏، وقول الشاعر‏:‏

فَغُضّ الطرْفَ إنكَ مِنْ نُمَيْرٍ *** فَلا كَعْباً بَلَغْتَ وَلا كِلابَا

وقد تقدَّم ذلك في حكم المضعَّف‏.‏

والتزموا فك «أفْعَل» في التعجب، نحو‏:‏ أحْبِبْ بزيد، وأشْدِدْ ببياض وجه المُتقين، وإدغام هلم لثقلها بالتركيب ولا التزموا في آخرها الفتح ولم يجيزوا فيها ما أجازوه في، نحو‏:‏ رُدّ وشُدّ من الضم للإتباع والكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين فيهما مستثنيان من فعل الأمر واستثناؤهما منه في الأوَّل بحسب الصورة لأنه في الحقيقة ماض وفي الثاني على لغة تميم لأنه عندهم فعل أمر غير متصرف تلحقه الضمائر بخلاف الحجازيين فإنه عندهم اسم فعل أمر لا يلحقه شيء وبلغتهم جاء التنزيل قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَلُمّ إِلَيْنَا‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 18‏)‏، ‏{‏هَلُمّ شُهَدَآءَكُمُ‏}‏ ‏(‏الأنعام‏:‏150‏)‏‏.‏

تنبيه

إذا وَلِيَ المُدغَمَ حرف مدّ، وجب تحريكه بما يناسبه، نحو‏:‏ رَدُّوا وَرُدِّي وّرُدَّا؛ وإذا وليه هاء غائبة وجب فتحه لخفاء الهاء فكأن الألف وَلِيَته، ويجب الضم إذا وَليه هاء غائب، خلافاً لثعلب، وأما إذا وليه ساكن أو لم يله شيء فيثلث آخره في المضارع المجزوم الأمر إذا كانا مضمومي الفاء، نحو‏:‏ رُدَّ القوم، ولم يَغُضَّ الطرْفَ‏.‏ فإذا كانا مفتوح الفاء أو مكسورها، نحو‏:‏ عَضَّ وَفَرَّ، ففيه وجهان فقط الفتح والكسر على خلاف في بعض ذلك بين البصريين والكوفيين‏.‏

وإذا اتصل المُدغَم بضمير رفع متحرك وجب فك الإدغام، نحو‏:‏ ‏{‏نّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ‏}‏ ‏(‏الإنسان‏:‏ 28‏)‏، وقد يفك شذوذاً في غير ذلك، نحو‏:‏ أَلِل السِّقاء‏:‏ أي تغيَّرت رائحته، وفي الضرورة، نحو قول أبي النجم العِجْلِيّ‏:‏

الحمدُ لِلّهِ الْعَليِّ الأَجْلَلِ ***

فصل في إدغام المتقاربين

1- حيث أن التقارب ينقسم إلى تقارب في المخرج، وتقارب في الصفة، لزم أن نبين أوَّلاً مخارج الحروف وصفاتها ليكون الطالب على بصيرة فنقول‏:‏

‏[‏مخارج الحروف‏]‏

مخارج الحروف أربعة عشر تقريباً‏:‏

1- أقصى الحلق‏:‏ للألف والهمزة والهاء‏.‏

2- ووسطه‏:‏ للحاء والعين المهملتين‏.‏

3- وأدناه‏:‏ للخاء والغين المعجمتين‏.‏

4- وأقصى اللسان مع ما فوقه من الحَنَك‏:‏ للقاف والكاف‏.‏

5- ووسطه مع ما فوقه من الحَنَك‏:‏ للجيم والشين‏.‏

6- وإحدى حافتيه مع ما يليه من الأضراس‏:‏ للضاد‏.‏

7- وما دون طرفه إلى منتهاه مع ما فوقه من الحَنَك‏:‏ للام، فمخرج اللام قريب من الضاد، وهي أوسع الحروف مخرجاً‏.‏

8- وللراء من اللسان وما فوقه ما يليهما‏:‏ فهي أخرج من اللام‏.‏

9- وللنون ما يليه من الخَيْشُوم، وهو أقصى الأنف‏.‏

10- وللطاء والدال المهملتين والتاء المثناة طرفُه، مع أصول الثنايا العليا، وهي الأسنان المتقدمة، ثِنتان من أعلى، وثِنتان من أسفل‏.‏

11- وطرفه مع الثنايا‏:‏ للصاد والزاي والسين‏.‏

12- وطرفه مع طرف الثنايا‏:‏ للظاء والذال والثاء المثلثة‏.‏

13- وباطن الشفة السُّفلى مع طرف الثنايا العليا‏:‏ للفاء‏.‏

14- وما بين الشفتين‏:‏ للباء والميم والواو‏.‏

وصفاتها‏:‏ جَهْر، وهَمْس، ورخاوة وشدة وتوسط بينهما وإطباق وانفتاح واستعلاء واستِفال وذَلاقة وإصْمَات وصفير ولِين‏.‏

1- فالمجهور‏:‏ ما ينحصر جَرْي النَّفْس مع تحركه لقوته، وقوَّة الاعتماد عليه في مَخْرجه، فلا يخرج إلاَّ بصوت قَوِيّ، يمنع النفس من الجَرْي معه‏.‏

2- والمهموس‏:‏ بخلافه، وحروفه مجموعة في قوله‏:‏ «فَحَثَّهُ شَخص سَكَتَ»، وما عداها فهو المجهور‏.‏

3- والشديد‏:‏ ما ينحصر جَرْي الصوت عند إسكانه، وأحرفه «أَجِدُك قَطَّبْتَ»، ومن هذه الأحرف خمسة تسمى أحرف القَلْقَلة، إذا كانت ساكنة وهي‏:‏ «قُطْبُ جُدْ»‏.‏

4- والرَّخو‏:‏ ضده، والذي بينهما ما لام يتم له الانحصار ولا الجري وأحرفه «لم يروِ عنا»‏.‏

5- والمطبَق‏:‏ ما ينطبق معه اللسان على الحنك، فينحر الصوت بين اللسان وما يحاذيه من الحَنَك، وأحرفه‏:‏ الصاد والضاد والطاء والظاء‏.‏

6- والمنفتح‏:‏ بخلافه‏.‏

7- والمستعلي‏:‏ ما يرتفع به اللسان إلى الحَنَك، وأحرفه أحرف الإطباق، والخاء والغين المعجمتان والقاف‏.‏

8- والمُسْتَفِلُ‏:‏ ما عداها‏.‏

9- والذَّلاقة‏:‏ الفصاحة والخِفة في الكلام، وحروفها «مُرْ بِنَفَل»‏.‏ ولخفة أحرفها لا يخلو رُباعيّ أو خُماسيّ لثقلهما من أحدها إلاَّ نادراً، كالعسجد وهو الذهب، والزَّهْزَقة بزايين مفتوحتين، بينهما هاء ساكنة، وهي شدة الضَّحِك‏.‏

10- والمُصْمَتة‏:‏ ما عداها‏.‏

11- وأحرف الصَّفِير‏:‏ الزاي والسين والصاد‏.‏

12- وأحرف اللين‏:‏ الألف والواو والياء‏.‏

والقياس في إدغام ما يدغم من تلك الحروف قلب الأوَّل إلى الثاني لا العكس إلاَّ إذا دعا الحال لذلك، نحو‏:‏ ادَّكَرَ واذَّكَر‏.‏

2- ولإدغام الحروف المتقاربة في بعضها ثلاثة أحكام الوجوب والامتناع والجواز‏.‏

فالوجوب في لام التعريف مع أحد الحروف الشمسية، وهي‏:‏ التاء، والثاء، والدال إلى الظاء، واللام، والنون، وفي اللام الساكنة غيرَها مع الراء، نحو‏:‏ ‏{‏بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ‏}‏‏.‏ وفي النون الساكنة مع ستة‏:‏ أربعة فيها بِغّنة‏:‏ وهي أحرف «ينمو»، واثنان بلا غنّة، وهما اللام والراء، وتقلب ميماً مع الباء كما تقدَّم وتظهر مع حروف الحلق وتختفي مع الباقي، فلها خمس حالات‏.‏

والامتناع في إدغام أحرف «ضَوِيَ مِشْفَر»، فيما يقاربها، لأن استطالة الضاد ولين الياء والواو وغُنّة الميم وتَفَشِّي الشين والفاء، وتكرار الراء، تزول مع الإدغام، وإدغام نحو‏:‏ سيِّد ومَهْدِيّ لا يَرِد، لأن الإعلال جعلهما مثلين‏.‏

والجواز فيما عدا ذلك، نحو‏:‏ إدغام النون المتحركة في حرف من حروف «يرملون» ونحو التاء والثاء والدال والذال والطاء والظاء بعضها في بعض أو في الزاي والسين والصاد كأن تقول‏:‏ سكَت ثَّاِبت أو دارم أو ذاكر أو طالب أو ظافر أو زيد أو سالم أو صابر، أو تقول لَبِث تاجر أو دارم‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أو تقول‏:‏ حقد تاجر أو دارم‏.‏

التقاء الساكنين

1- إذا التقى ساكنان في كلمة أو كلمتين وجب التخلص منهما إما بحذف أولهما أو تحريكه ما لم يكن على حَدِّه، كما سيأتي‏:‏

فيجب إن كانا في كلمة حذف الأوَّل لفظاً وخطاً إذا كان مدة، سواء كان الثاني جزأ من الكلمة أو كالجزء منها، نحو‏:‏ قُلْ وبِعْ وخَفْ، ونحو‏:‏ أنتم تغزُون وتقضُون، ولتَرْمُنّ ولتَغْزُنّ يا رجال‏.‏ وأنتِ تَرْمِين وتَغْزِينَ، ولتَرْمُنّ ولتَغْزِنّ يا هند، ويحذف لفظاً لا خطاً إن كانا في كلمتين؛ وكان الأوَّل مدة أيضاً، نحو‏:‏ يغزو الجيش، ويرمي الرجل، و‏:‏ «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها»، و‏:‏ ‏{‏وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 59‏)‏‏.‏

ويجب تحريكه إن لم يكن مدة إلاَّ في موضعين‏:‏

أحدهما‏:‏ نون التوكيد الخفيفة، فإنها تحذف إذا وليها ساكن كما تقدَّم‏.‏

ثانيهما‏:‏ تنوين العلم الموصوف بابن مضاف إلى علم، نحو‏:‏ محمد بن عبداللّه‏.‏

والتحريك إما بالضم وجوباً عند بعضهم في موضعين‏:‏

الأوَّل‏:‏ أمر المضعَّف المتصل به هاء الغائب ومضارعه المجزوم، نحو‏:‏ رُدّهُ ولم يَرُدّه، والكوفيون يجيزون فيه الفتح والكسر أيضاً كما تقدَّم في الإدغام‏.‏

الثاني‏:‏ ميم جماعة الذكور المتصلة بالضمير والمضموم، نحو‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 183‏)‏، و‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَىَ‏}‏ ‏(‏يونس‏:‏ 64‏)‏، ويترجح الضم على الكسر في واو الجماعة المفتوح ما قبلها، نحو‏:‏ اخشوا اللّه‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏، لخفة الضمة على الواو بخلاف الكسرة‏.‏

ويجوز الضم والكسر على السواء‏:‏ في ميم الجماعة المتصلة بالضمير المكسور، نحو‏:‏ بهِمُ اليوم، وفيما ضَمُّ التالي لثانيهما أصليّ، وإن كسر للمناسبة، نحو‏:‏ قالت اخْرُج، وقلت‏:‏ اغزِي و‏:‏ ‏{‏أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 66‏)‏‏.‏

وإما بالفتح وجوباً وذلك في تاء التأنيث إذا وليها ألف الاثنين، نحو‏:‏ قالتا وفي نون من الجارة إذا دخلت على ما فيه آل، نحو‏:‏ من اللّه ومن الكتاب بخلافها مع غير آل فالكسر أكثر، نحو‏:‏ من ابنك وفي أمر المضعَّف المضموم العين ومضارعه المجزوم مع ضمير الغائب، نحو‏:‏ درها ولم يردها وأجاز الكوفيون فيه الضم والكسر أيضاً كما تقدَّم في الإدغام‏.‏

ويترجح الفتح على الكسر في، نحو‏:‏ ‏{‏الَمَ اللّه‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 1- 2‏)‏، ويجوز الفتح والكسر على السواء في مضموم العين من أمر المضعَّف ومضارع سوى ما مر ويغتفر التقاء الساكنين في ثلاثة مواضع‏.‏

الأوَّل‏:‏ إذا كان أول الساكنين حرف لين وثانيهما مدغماً في مثله وهما في كلمة واحدة، نحو‏:‏ ‏{‏وَلاَ الضّآلّينَ‏}‏، ومادّة، ودابّة، وخُوَيْصَّة، وتُمُوْدَ الحبل‏.‏

الثَّاني‏:‏ ما قصد سرده من الكلمات، نحو‏:‏ جِيْمْ مِيْمْ، قافْ، وَاوْ، وهكذا‏.‏

الثَّالث‏:‏ ما وقف عليه من الكلمات، نحو‏:‏ قال وزيد وثوب وبكر وعمرو إلاَّ أن ما قبل آخره حرف صحيح يكون التقاء الساكنين فيه ظاهريا فقط وفي الحقيقة أن الصحيح محرك بكسرة مختلسة جدا وأما ما قبل آخره حرف لين فالتقاء الساكنين فيه حقيقي لا مكانه وإن ثقل‏.‏ وأخف اللين في الوقف‏:‏ الألف، ثم الواو والياء مدّين، ثم الليِّنان بلا مدّ، كثَوْب وبيْت‏.‏

الإمالة

وتسمى الكسر والبطح والإضجاع‏:‏ هي لغة مصدر أمَلْت الشيء إمالة‏:‏ عَدَلْت به إلى غير الجهة التي هو فيها، واصطلاحاً‏:‏ إن تذهب بالفتحة إلى جهة الياء إن كان بعدها ألف كالفتى وإلى جهة الكسرة إن لم يكن ذلك كنعمِة وبسَحِر‏.‏

وأصحابها بنو تميم وأسد وقيس، وعامة نجد؛ ولا يُميل الحجازيون إلاَّ قليلاً‏.‏

ولها أسباب وموانع فأسبابها سبعة‏:‏

أحدها‏:‏ كون الألف مبدلة من ياء متطرف حقيقة، كالفَتَى، واشتَرَى، أو تقديراً كفتاة، لتقدير انفصال تاء التأنيث، لا نحو‏:‏ باب، لعدم التطرف‏.‏

ثانيها‏:‏ كون الياء تخلفها في بعضا التصاريف كألف مَلْهًى، وَأرْطىً، وَحُبْلَى، وَغَزَا وَتَلا وَسَجَى، لقولهم في تثنيتها‏:‏ ملْهَيان، وأرْطَيَان، وحُبْلَيَان، وفي بناء الباقي للمجهول غُزِيَ، وَتُلِيَ، وَسُجِيَ‏.‏

ثالثها‏:‏ كون الألف مبدلة من عين فعل يؤل عند إسناده للتاء إلى لفظ «فِلْت» بالكسر كباع وكالَ وهابَ وكادَ ومات، إذ تقول‏:‏ بِعْتُ وَكِلْت، وهِبْتُ، وَكِدْتُ، وَمِتُّ، على لغة من كسر الميم، بخلاف نحو‏:‏ طَالَ‏.‏

رابعها‏:‏ وقوع الألف قبل الياء كبايعته وسايرته‏.‏

خامسها‏:‏ وقوعها بعد ياء متصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين أحدهما الهاء، نحو‏:‏ عِيان وشَيْبان، ودخلْت بيْتها‏.‏

سادسها‏:‏ وقوع الألف قبل كسرة مباشرة كسالِم، أو بعدها منفصلة منها بحرف كَكِتاب، أو بحرفين كلاهما متحرك وثانيهما هاء وأولهما غير مضموم كيريد أن يضرِبَها، دون هو يضرُبها، أو أولها ساكن كشِمْلال، أو بهذين وبالهاء كدرْهَماك‏.‏

سابعها‏:‏ إدارة التناسب بين كلمتين أميلت إحداهما لسبب متقدم كإمالة ‏(‏والضحى‏)‏ في قراءة أبي عمرو لمناسبة سَجَى، وقَلَى، لأن ألف الضُّحَى لا تُمال، إذ هي منقلبة عن واو‏.‏

ويمنعها شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ الراء بشرط كونها غير مكسورة وأن تكون متصلة بالألف قبلها، كَراشد، أو بعدها، نحو‏:‏ هذا الجِدار، وبنيت الجِدَار، وبعضهم جعل المؤخرة المفصولة بحرف ككافر كالمتصلة وأن لا يجاور الألف راء أخرى، فإن جاورتها أخرى لم تمنع الأولى، نحو‏:‏ ‏{‏إِنَّ الأبْرَارَ‏}‏‏.‏

ثانيهما‏:‏ حروف الاستعلاء السبعة وهي الخاء والغين والصاد والضاد والطاء والظاء والقاف متقدمة أو متأخرة ويشترط في المتقدم منها أن لا يكون مكسوراً فخرج نحو‏:‏ طِلاب وغِلاب وخِيام‏.‏ وأن يكون متصلاً بالألف، او منفصلاً عنها بحرف واحد، كصالح، وضامن، وطالب، وظالم، وغالب، وخالد، وقاسم، وكغنائم، وألاّ يكون ساكناً بعد كسرة فخرج، نحو‏:‏ مِصباح وإصلاح ومِطواع، وألاّ يكون هناك راء مكسورة مجاورة، فخرج، نحو‏:‏ ‏{‏وَعَلَىَ أَبْصَارِهِمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 7‏)‏، و‏:‏ ‏{‏إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 40‏)‏، ويشترط في المتأخر الاتصال أو الانفصال بحرف أو حرفين، كساخِر وحَاطِب وكنَافِخ ونَاعِق، وكمواثيق ومناشيط‏.‏

تنبيهات

الأوَّل‏:‏ شرط الإمالة التي يكفلها المانع أن لا يكون سببها كسرة مقدرة كخاف، فإن ألفه منقلبة عن واو مكسورة ولا ألفاً منقلبة عن ياء كطاب فسبب إمالة الأوَّل الكسرة المقدرة والثاني الياء التي انقلبت ألفاً لأن السبب المقدَّر هنا أقوى من السبب الظاهر، لأن الظاهر إما متقدم على الألف كالكسرة في كتاب والياء في بيان أو متأخر عنها، نحو‏:‏ غَانِم وبَايع والذي في نفس الألف أقوى من الاثنين، ولذلك أُميلَ نحو‏:‏ طَابَ وخَافَ، مع تقدَّم حرف الاستعلاء، وحاق وزاغ مع تأخره‏.‏

الثَّاني‏:‏ سبب الإمالة لا يؤثر إلاَّ إذا كان من المُمال في كلمة، لأن عدم الإمالة هو الأصل فيصار إليه بأدنى شيء فلا يُمال، نحو‏:‏ لزيد مال، لوجود الألف في كلمة، والكسرة في كلمة‏.‏

وأما المانع فيؤثر مطلقاً لأنه لا يصار إلى الإمالة التي هي غير الأصل إلاَّ بسبب قوي فلا تمال ألف كتاب من، نحو‏:‏ كتاب قاسم لوجود حرف الاستعلاء وإن كان منفصلا‏.‏

الثَّالث‏:‏ تُمال الفتحة قبل حرف من ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ الألف وقد تقدّمت‏.‏ وشرطها أن لا تكون الفتحة في حرف لا في اسم يشبهه، إذ في الإمالة نوع تصرّف، والحرف وشبهه بريء منه، فلا تُمال فَتْحَة إلاَّ، ولا عَلَى، ولا إلى، مع السبب المقتضي في كلٍّ، وهو الكسرة في الأوَّل والرجوع إلى الياء في الثاني وكلاهما في الثالث‏.‏ واستثنوا من ذلك ضميري «ها» و«نا»، فقد أمالوهما عند سبق الكسرة أو الياء، لكثرة استعمالهما‏.‏

ثانيها‏:‏ الراء بشرط كونها مكسورة وكن الفتحة في غير ياء وكونها متصلتين، نحو‏:‏ من الكبر، أو منفصلتين بساكن غير ياء نحو‏:‏ مِنْ عمرو، بخلاف نحو‏:‏ أعوذ باللّه مِنَ الغِيَر، ومن قبح السِّيَر، ومن غيرك‏.‏

ثالثها‏:‏ هاء التأنيث في الوقف خاصة كرحمة ونعمة، شبهوا هاء التأنيث بألفها، لاتفاقهما في المخرج والمعنى والزيادة والتطرف والاختصاص بالأسماء، وأَمَال الكسائي قبل هاء السكت نحو‏:‏ كتابِيَهْ، ومنعها بعضهم، وهو الأصحّ‏.‏

مسائل للتمرين

التمرين‏:‏ مصدر مرَّنه على كذا، مأخوذ من قولهم مَرَن على الشيء مُروناً ومَرَانَة‏:‏ إذا اعتاده واستمر عليه، وهو هنا بمعنى تعويد الطالب على تطبيق المسائل على القواعد الصرفية التي علمها‏.‏

وكثيرا ما يقولون‏:‏ المطلوب أن تبني من كذا لفظاً بزنة كذا، فيجب أن نبحث أوَّلاً عن معنى هذه العبارة، حتى يعمل سامعها بمقتضاها فنقول‏:‏

إنهم قد اختلفوا في ذلك على أقوال‏:‏ أصحها هو أن المعنى‏:‏ صُغ من لفظ ضرب مثلاً ما هو بزنة جعفر، بمعنى أن تعمل في هذه الزنة الفرعية ما يقتضيه القياس من القلب أو الحذف أو الإدغام مثلاً، إن كان في هذه الزنة الفرعية أسباب تقتضيها‏.‏

فإذا كان في الأصل حرف زائد مثلاً فلا خلاف في أن يُزاد مثله في الفرع، إلاَّ إذا كان الحرف الزائد عِوضاً عن حرف في الأصل كما في نحو‏:‏ اسم، فإن همزة الوصل فيه عوض عن أصل هو لام الكلمة أو فاؤها ففيه خلاف وإذا حصل قلب في الأصل فلا خلاف في حصوله في الفرع فإذا أردنا أن نبني من الضرب مثالاً بزنة أيس قلنا رضب‏.‏

وإن وجد في الفرع ما يقتضي عدم الإدغام مثلاً، عُمِل به كما إذا لزم عليه لبس أو ثقَل، لرفض العرب ذلك في كلامهم، وإن وجد في الأصل سبب إعلال لحرف لم يوجد في الفرع، فلا خلاف في أنه لا يقلب في الفرع، فيقال على وزن أوائل من القتل‏:‏ أَقَاتِل‏.‏

تنبيه

يجوز عند سيبويه أن يُصاغ على وزن ثبت في كلام العرب وإن لم ينطقوا به في الفرع المطلوب، فيصح أن يُصاغ من ضرب على زنة شَرْنَبَث، فيقال ضَرْنَبَب مع أنهم لم ينطقوا به، ولا محذور فيما قاله سيبويه، إذ الغرض التمرين فقط، ولا يُقال إنه يلزم إثبات صيغ لم تنطق بها العرب في كلامهم وأما، نحو‏:‏ جالينوس وميكائيل، فلا يُصاغ على زنتهما لعدم ثبوتهما في كلامهم‏.‏

تطبيق

1- إذا أردت أن تصوغ من باع قال على وزن عنسل بمهملتين مفتوحتين بينهما نون ساكنة للناقة السريعة قلت فيه «بَنْيَع وقَنْوَل» بلا إدغام، مع أن هنا حرفين متقاربين لأنه يشترط في إدغام المتقاربين أن لا يحصل لبس، ووجه اللبس هنا أنك لو أدغمت لقلت‏:‏ قَوَّل وبَيَّع، فيلتبسان بمضعَّفي قال وباع‏.‏

2- وإذا أردت أن تصوغ من قال وباع بوزن «قِنْفَخْر- بكسر فسكون ففتح فسكون‏:‏ للرجل العظيم الجثة» قلت‏:‏ قِنْوَلّ وبِنْيَعّ بلا إدغام، مع أن هنا حرفين متقاربين، هما النون والواو والنون والياء حذراً من أن يلتبس بنحو‏:‏ عِلْكَدّ ومعناه البعير الغليظ فلا يُدْرى أهو مثله أو مثل قِنْفَخْرٍ وأدغم‏:‏ ولا يجوز أن تصوغ من، نحو‏:‏ كَسَرَ وجَعَلَ على وزن جَحَنْفَل، فلا تقول كسَنْرَر ولا جَعَنْلَل، فإنك إن لم تدغم حصل الثقل وإن أدغمت التبس بنحو سَفَرْجَل فيظن أنه خُماسيّ الأصول‏.‏

3- وإذا قيل كيف تبني من، نحو‏:‏ ضرب مُضعَّف العين على زنة مُحَوِيّ، بضم ففتح فكسر فياء مشدَّدة قلت‏:‏ مُضَرِّبِيّ لا مُضَرَبيّ‏.‏ وذلك أن لفظ مُحَوِيّ اسم فاعل منسوب إليه، من قولهم حَيَّي بثلاث ياءات أدغمت الأولى في الثانية فاصل محويّ قبل النسب محيي بثلاث ياآت على وزن مطرز فللنسب إليه يلزم حذف الياء الأخيرة كما تحذف من، نحو‏:‏ المشتري ثم حذف إحدى الياءين الباقيتين وقلب الأخرى واواً وفتح ما قبلها فيصير بعد النسب محوياً وحيث إن هذه الأسباب الموجبة للتغيير في الأصل لم وجد في الفرع الذي هو مضربي نطق به على حاله أي على زنة محوي لو لم يحصل فيه تغيير‏.‏

4- وإذا قيل صغ من آءة اسم شجرة أو ثمرة على زنة مسطار اسم للخمر قلت مستآء لا مسآء لأنه لا يحذف من الفرع إلاَّ ما اقتضاه في نفسه لا بالنظر إلى أصله إذ أصله مستطار من «ط ي ر» ولو قدّر أنه من «س ط ر» لقيل مُؤْواء‏.‏

5- وإذا قيل كيف نَبْنِي من «وَأَيْت» بزنة كوكب، حال كون المَصُوغ مخففاً مجموعاً جمع سلامة مضافاً إلى ياء المتكلم قلب فيه أوِيِّ، بفتح فكسر فياء مشدَّدة مفتوحة وذلك أنك أوَّلاً تبني من وأى بزنة كوكب فتقول‏:‏ وَوْأىً ثم يعل إعلال فتًى فيقال‏:‏ وَوْأىً فإذا خففت همزته بنقل حركتها إلى ما قبلها قلت في وَوًى، بزنة فتًى ثم تقلب الواو الأولى همزة فيصير أوًى، وجوّز بعضهم عدم القلب فإذا جمعته جمع سلامة قلت فيه‏:‏ أوَوْن كفَتوْنَ‏.‏ فإذا أضفته إلى ياء المتكلم قلت‏:‏ أوَوْيَ، ثم تقلب الواو الثانية ياء وتدغم في الياء وتكسر الواو الأولى لمناسبة الياء فيصير أوِيّ‏.‏

6- وإذا قيل كيف تبنى من «وَأيت» بزنة أُبْـلُم، وهو خوص المُقْل، قلت فيه أوْءٍ، بضم أوَّله، وذلك لأن أصله أوْؤيٌ، ثم أعلّ إعلال قاض فصار أوْءٍ‏.‏

7- وإذا قيل صغ من «أوَيْتَ» بزنة أبلم، قلت فيه‏:‏ أوّ أصله أؤوى قلبت الهمزة الثانية واواً وأدغم المثلان ثم أعل إعلال قاض فصار أوّ‏.‏

8- وإذا قيل كيف تبني من «وَأَيْتُ» بزنة إوَزَّة‏؟‏ قلت‏:‏ «إيئاة» بهمز فياء فهمز‏.‏ وذلك لأن أصل إوزة إوْزَزَة، فحينئذ يكون أصل إيئأة بهمزة مكسورة فواو ساكنة فهمزة مفتوحة فياء مفتوحة قلبت واوه ياء لوقوعها إثر كسرة، فصار إيْأيَة، ثم قلبت الياء الثانية زلفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار إيئَاة كسِعلاة‏.‏

9- وإذا بنيت من «أوَيت» مثل إوزّة، قلت‏:‏ «إيّاة» بهمزة مكسورة فياء مشدَّدة، وذلك لأن أصله‏:‏ إئْوَيَة، أما الهمزة الأولى فهي زائدة وأما الثانية فهي فاء الكلمة وأما الواو فهي عينها، ولوقوع الهمزة الثانية إثر كسرة تقلب ياء، ثم يقال‏:‏ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمتا، وحينئذ اجتمعت ثلاث ياءات، قلبت الأخيرة ألف لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار إيَّاة‏.‏

10- وإذا قيل كيف تبني من قال وباع بزنة «عَنْكبوت»‏؟‏ قلت‏:‏ بَيْعَعُوت وقَوْلـَلوت، لا بنْيَعُوت وقَنْوَلُوت، لأن الصحيح أن النون لا تزاد ثانية ساكنة إلاَّ بضَعْف‏.‏

11- وإذا قيل كيف تبني من «بِعْتُ» على زنة اطمأن‏؟‏ قلت‏:‏ أبْيَعَعّ بإدغام العين الثانية في الثالثة، بعد نقل حركتها إلى العين الأولى‏.‏

12- وإذا قيل كيف تبني من قال على زنة «اغْدَوْدَن» مبيناً للمعلوم‏؟‏ قلت‏:‏ اقْوَوَّل بإدغام الواو الثانية في الثالثة وجوباً‏.‏

13- وإذا قيل كيف تبني من قال وباع بزنة «اغْدَوْدَن» مبنياً للمجهول‏؟‏ قلت‏:‏ اقْوُوْوِل، وابْـيُويِع بلا إدغام وجوباً، لأن الواو الثانية في اقْوُوْوِل والواو في ابْيويِع حرفا مدّ زائدان، فلا إدغام فيهما‏.‏

14- وإذا قلت كيف تبني من «قَوِيَ» بزنة «بيقور»، وهو اسم جمع البقرة‏؟‏ قلت فيه‏:‏ «قَيُّوّ» بياء مشدَّدة مضمومة فواو مشدَّدة، والأصل قَيْوُوْوٌ، قلبت الواو الأولى ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون وأدغمتا ثم أدغمت الواو الثانية في الثالثة، ولم تقلبا ياءين مع وقوعهما طرفاً، لأن لذلك مواضع قد تقدَّم ذكرها وليس هذا منها، ولم تنقل حركة العين التي هي الواو الأولى إلى ما قبلها كما في مَبْيُوع، لأن العين لا تعلُّ إذا كانت هي واللام حرفي علَّة، سواء أعِلَّت اللام كما في «قَوِيَ» أو لم تُعَّل، كما في هَوِيَ‏.‏

وعلى هذا القياس يكون التمرين‏.‏

الوقف

1- هو قطع عند آخر الكلمة‏.‏ ويقابله الابتداء الذي هو عمل‏.‏ فالوقف استراحة عن ذلك العمل‏.‏ ويتفرّع عن قصد الاستراحة في الوقف ثلاثة مقاصد فيكون‏:‏ لتمام الغرض من الكلام، ولتمام النظم في الشعر، ولتمام السجع في النثر‏.‏

وهو إما اختياري بالياء المثناة من تحت‏:‏ أي قُصِدَ؛ لذاته أو اضطراريّ عند قطع النَّفَس؛ أو اختباري بالموحدة‏:‏ أي قصد لاختبار شخص هل يُحْسِن الوقف على نحو‏:‏ ِبمَ و«ألاَّ يا سجدوا»، «وأم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين»، أولاً، والأول إما استثباتيّ وهو ما وقع في الاستثبات، والسؤال المقصود به تعيين مبهم نحو‏:‏ مَنُو، وأيُّونْ‏؟‏ لمن قال‏:‏ جاءني رجل أو قوم‏.‏ وإما إنكاري لزيادة مدة الإنكار فيه، وهو الواقع في سؤال مقصود به إنكار خبر المخبر، أو كون الأمر على خلاف ما ذُكِر، وحينئذ فإن كانت الكلمة منونة كسر التنوين وتعينت الياء مدة، نحو‏:‏ أزَيدُنِيه بضم الدال، وأزيدَنِيه بفتحها، وأزيدِنِيه بكسرها، وكسر النون في الجميع، لمن قال‏:‏ جاء زيد أو رأيت زيداً أو مررت بزيد‏.‏ وإن لم تكن منونة أتى بالمد من جنس حركة آخر الكلمة، نحو‏:‏ أعُمَرُوه وأَعُمرَاه، وأحَذَامِيه، لمن قال جاء عمر ورأيت عمر، ومررت بِحَذَامِ‏.‏

وإما تذكُرِيّ، وهو المقصود به تذكير باقي اللفظ، فيؤتى في آخر الكلمة بمدة مجانسة لحركة آخرها، كقالا ويقولوا، وفي الدَّارِي‏.‏

وإما ترنميّ كالوقف في قوله‏:‏

أقلّي اللّوْمَ عَاذِلَ العِتَابَنْ ***

وإما غير ذلك وهو المقصود هنا‏.‏

2- والتغييرات الشائعة في الوقف سبعة أنواع نظمها بعضهم فقال‏:‏

نَقْلٌ وَحَذْفٌ وَإسْكَانٌ وَيَتْبَعُهَا *** التّضْعِيفُ وَالرَّوْمُ والإشْمَامُ وَالبَدَلُ

فيبدل تنوين الاسم بعد فتحة ألفاً، كرأيت زيْداً وفتى ونحو‏:‏ ويْهَا وَإيْهَا بكسر الهمزة، وكذلك تبدل نون التوكيد الخفيفة ألفاً ويرد ما حذف لأجلها في الوقف كما تقدَّم، وشبهوا «إذنْ» بالمنون فأبدلوا نونها ألفاً، ويرد ما حذف لأجلها في الوقف مطلقاً، وبعضهم يقف عليها بالنون مطلقاً لشبهها بأنْ ولنْ، وبعضهم يقف عليها بالألف إن أُلْغيت، وبالنون إن أُعْلِمت‏.‏

ويُوقَف بعد غير الفتحة بحذف التنوين، وإسكان الآخر كهذا زيدْ، ومررت بزيد، ومطلقاً عند ربيعة‏.‏ وأما الأزد فتقلبه واواً بعد الضم، وياء بعد الكسر، فيقولون‏:‏ جاء زيدو ومررت بزيدِي‏.‏

وإن وقف على هاء الضمير حذفت صلته أي مدته بعد غير الفتح، نحو‏:‏ بهْ ولهْ، إلاَّ في الضرورة كقوله‏:‏

وَمَهْمَه مُغْبرَّةِ أَرْجَاؤُه *** كَأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ

بخلاف نحو‏:‏ بِها ومِنْها، فتبقى الصلة، وقد تحذف على قلة كقوله‏:‏ «وبالكرامة ذات أكرمكم اللّه بهْ»‏.‏

أراد‏:‏ بِها، فحذف الألف وسكن الهاء بعد نقل حركتها إلى ما قبلها‏.‏

وإذا وقف على المنقوص ثبتت ياؤه إذا كان محذوف الفاء، كما إذا سميت بمضارع نحو‏:‏ وَفَى‏:‏ تقول هذا يَفِي، أو كان محذوف العين كما إذا سميت باسم الفاعل من رأى، فإنك تقول هذا مُرِي، إذ لو حذفت اللام منهما لكان إجحافاً، وكذا إذا كان منصوباً منوناً، نحو‏:‏ ‏{‏رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 193‏)‏، أو غير منون مقروناً بألْ، نحو‏:‏ ‏{‏كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التّرَاقِيَ‏}‏ ‏(‏القيامة‏:‏ 26‏)‏، فإن كان غير منصوب جاز الإثبات والحذف ولكن يترجح في المنون الحذف، نحو‏:‏ هذا قاضْ، ومررت بقاضْ، وقرأ ابن كثير‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي‏}‏ ‏(‏الرعد‏:‏ 11‏)‏، وفي غير المنون يترجح الإثبات كهذا القاضِي، ومررت بالمنادِي، وقرأ الجمهور‏:‏ ‏{‏الْكَبِيرُ الْمُتَعَالّ‏}‏ ‏(‏الرعد‏:‏ 9‏)‏‏.‏

ويوقف على هاء التأنيث بالسكون، نحو فاطمهْ، وعلى غيرها من المتحرك بالسكون فقط، أو مع الرَّوم، وهو إخفاء الصوت بالحركة، والإشارة إليها ولو فتحة، بصوت خفيّ، ومنعه الفراء فيها أو الإشمام وهو ضم الشفتين والإشارة بدون صوت ويختص بالمضموم ولا يُدْركه إلاَّ البصير؛ أو التضعيف، نحو‏:‏ هذا خالد وهو يضربّ، بتشديد الحرف الأخير وهي لغة سَعْدية، وشرط الوقف بالتضعيف أن لا يكون الموقوف عليه همزة كرِشاء، ولا ياء كالراعي، ولا واواً كيغزو، ولا ألف كيخشى، ولا واقعاً إثر سكون كزيد وبكر، أو مع نقل حركة الموقوف عليه إلى ما قبله كقراءة بعضهم‏:‏ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرْ‏}‏ ‏(‏العصر‏:‏ 3‏)‏، بكسر الباء وسكن الراء بشرط أن يكون ما قبل الآخر ساكناً غير متعذر ولا مستثقل تحريكه‏.‏ وألاّ تكون الحركة فتحة، وألاّ يؤدي النقل إلى عدم النظير‏.‏ فخرج، نحو‏:‏ جعفر لتحرك ما قبله ونحو‏:‏ إنسان ويشدّ، لأن الألف والمدغم لا يقبلان الحركة، ويقولُ ويبيعُ، لاستثقال الضمة إثر كسرة أو ضمة، ونحو هذا عِلْم، لأنه لا يوجد فِعَل بكسر فضم في العربية‏.‏ والشرطان الأخيران مختصان بغير المهموز فيجوز النقل في، نحو‏:‏ ‏{‏يُخْرِجُ الْخَبَءُ‏}‏ ‏(‏النمل‏:‏ 25‏)‏، وإن كانت الحركة فتحة، وفي، نحو‏:‏ هذا‏:‏ رِدُءْ، وإن أدى إلى عدم النظير، لأنهم يغتفرون في الهمزة ما لا يغتفرون في غيرها‏.‏

ويوقف على تاء التأنيث بدون تغيير إن كانت في حرف، كَثُمَّتْ وَرُبَّتْ، أو في فعل كقامت، أو اسم وقبلها ساكن صحيح، كأخْت وبِنْت، وجاز إبقاؤها على حالها وقبلها هاء، إن كان قبلها حركة كَثَمَرَةْ وَشَجَرَةْ، أو ساكن معتلّ كصلاةْ ومسلماتْ، ويترجح إبقاؤها في الجمع وما سمي به منه، تحقيقاً أو تقديراً، وفي اسمه كمسلمات وَأذْرِعَات وهيْهَات، فإنها في التقدير جمع هَيْهَيَةِ كقَلْقَلَة، سمّي بها الفعل، ونحو أُولاتْ، ومن الوقف بالإبدال قولهم كيف الأخوةُ والأخواه، وقولهم‏:‏ «دَفْنُ البناهْ، من المكْرُماهْ»، وقُرِئَ هَيْهَاهْ‏.‏ ومن الوقف بتركه وقف بعضهم بالتاء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنّ شَجَرَتْ‏}‏ ‏(‏الدخان‏:‏ 43‏)‏، وقوله‏:‏

كَانَت نُفوسُ القومِ عِنْدَ الغَلْصَمَتْ وكَادَتِ الحرَّةُ أَنْ تُدْعَى أَمَتْ

ويوقف بهاء السكت جوازاً على الفعل المُعّل لاماً بحذف آخره، نحو‏:‏ لم يَغْزُهْ ولم يَرْمِهْ ولم يَخْشَهْ، وتجب الهاء إن بقى على حرف واحد، نحو‏:‏ قِهْ، وَعِهْ، وقال بعضهم‏:‏ وكذا إذا بقي على حرفين أحدهما زائد، نحو‏:‏ لم يَقِهْ، ولم يَعِهْ‏.‏ ورُدَّ بلَمْ أَكْ، ومَنْ تَقْ، بدون هاء عند إرادة الوقف، ويترجح الوقف بها على ما الاستفهامية المجرورة بالحرف، نحو‏:‏ لمَهْ، وعَمّهْ، ويجب إن جُرَّتْ باسم، نحو‏:‏ مَجِيءّ مَهْ‏.‏ وعلى كلٍّ فيجب حذف ألفها في الجر مطلقاً، وأما قول حسان رضي اللّه عنه‏:‏

عَلَى ما قامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ *** كَخِنْزِيرٍ تَمَرّغَ فِي تُرَابِ

بإثبات الألف، فضرورة‏.‏

وقال الشاطبيّ‏:‏ حذف الألف ليس بلازم، فيما جرت باسم، فيجوز مَجِيءَ ما جئت ولكن الأجود الحذف‏.‏

وكذا يُوقفُ بها على كلمة مبنية على حركة بناء لازماً وليست فعلاً ماضياً، نحو‏:‏ هُوَ وهِيَ، وياء المتكلم عند من فتحهن في الوصل، وكيفَ وثَمّ، ولحاقها لهذا النوع جائز مستحسن، فلا تلحق اسم «لا» ولا المنادى المضموم، ولا ما قُطِع لفظه عن الإضافة، كقبلُ وبعدُ، ولا العدد المركَّبَ كخمسةَ عشرَ، لشبه حركاتها بحركات الإعراب، لعروضها عند المقتضى، وزوالها عند عدمه، فيقال في الوقف على هُوَ‏:‏ هُوَهْ، قال حسان‏:‏

إذَا مَا تَرَعْرعَ فِينَا الغُلاَم *** فَما إِنْ يُقَالَ لَهُ مَنْ هُوَهْ

وفي هِيَ‏:‏ هِيَه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ‏}‏ ‏(‏القارعة‏:‏ 10‏)‏، وفي كيفَ وثُمَّ‏:‏ كيفَهْ، وثُمَّهْ، وفي غلاميَ وكتابيَ‏:‏ غلاميَهْ وكتابيَهْ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ‏}‏ ‏(‏الحاقة‏:‏ 19‏)‏‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏

قال المؤلف حفظه اللّه‏:‏ وكان الفراغ من تبييضه يوم الاثنين لعشر خلت من شوال عام أحد عشر بعد ثلاثمائة وألف هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية‏.‏

تقريظات الكتاب

وقد قرظ هذا الكتاب لدى الاطلاع عليه بعض العلماء الأفاضل فأحببنا إثبات تقاريظهم اعترافاً بفضلهم وشكراً لعملهم‏.‏

قال حضرة الأستاذ الجليل والشاعر الناثر النبيل رئيس التصحيح سابقاً المرحوم الشيخ قطريه العلم أحسن ما به ظفــرت يـد *** عظمت علـيّ بـه لأستـاذي يـد

روحي فدا لمعلـم تحيـا بـــه *** روحي ويحسن مصدري والمـورد

ويطبني مـن داء جهل بــالذي *** يعيا بصنعتـه الطبيـب الأوحــد

العلـم بيـت والمعلــم سلــم *** من أين ترقى البـيت لولا المصعـد

فاعرف لـه حقـا فأنـت بــه *** عرفت الحق إذ غصن الشبيبة أملـد

والعلم إن أنصفت لا تعــدل بـه *** عرض من الدنيـا يـزول ويفنــد

واعذر بنـي الدنيا فـإن زيوفهـا *** جـادت بأعينهـم وزاف الجيـــد

لا تطلب الشهوات تقليـدا لهــم *** فمـن البهائـم ما تراه يقلــــد

يا جامعا للمـال يدعـي سيــدا *** من غير بذل أيــن منــك السودد

المجـد موقوف على كف نـــد *** من كـان يجمــد كفــه لا يجمد

فانهض إلى كسب العلوم منـزهـا *** للنفس عن خلق يشيــن ويفســد

فإذا فعلت فأنت شهـــم سيــد *** تسعى لخدمتــه الملـوك وتحفــد

نمت به أوصافـه الغـرا كمــا *** تم ‏(‏الشذا‏)‏ فينـا بفضلـك ‏(‏أحمد‏)‏

هذا الكتاب غنيمة الصرفيّ مـن *** زمن بـــه دار العلــوم تشيــد

لم ألق أطيب من شذا العرف الذي *** أهدى إليــنا ذا الهمــام الأمجــد

يا قوم دونكـم الشــذا فتمسكـوا *** بمداده وبه إلى الصــرف اهتــدوا

وبه افرقوا بين الصحيح وما بـدا *** فيـه اعتـلال وهـو منـه مجــرد

وبه ثقوا وله اسمعوا قولا وعـوا *** وإذا قضى أمـرا فــلا تتــرددوا

فمباحث التصريف قد أضحت بـه *** كالشمس ضاحية عليـها فاشهـدوا

لا تعجوبا للصرف مجتمعـا بــه *** شملا فأصل الجمـع هــذا المفـرد

فارغب إليه وقــف علـى أبوابه *** تصدر أخـي عنهـا وأنـت مــرود

وكأنني بفــن تعـرض سائــلا *** من ذا الذي تثنى عليـه وتحمـــد

باللّه خبرنــي فقلـت مؤرخــا *** من فاح طيب شـذاه أحمـد أحمــد

وقال التقي النقي الورع الذكي محتد الكمال الأستاذ الفاضل الشيخ علي غزال المدرس بالأزهر المعمور رحمه اللّه‏:‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه وجميع أحبابه‏.‏

وبعد‏:‏ فقد اطلعت على الكتاب الموسوم بـ «شذا العرف في فن الصرف»

الذي ألفه العالم الفاضل والهمام الكامل الشيخ أحمد الحملاوي فوجدته كتاباً بديعاً لكثرة فوائده، وتحرير مقاصده، مع سهولة عباراته، ولطف إشاراته، وقد احتوى على مهمات هذا الفن، مع تحرير حسن متقن، فجزى اللّه مؤلفه أحسن الجزاء، ونفع بالمؤلف والتأليف، إنه سميع الدعاء آمين‏.‏

وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏

وقال العلامة الفاضل العالم العامل مظهر المجد الأستاذ الشيخ سليمان العبد المدرس بالأزهر المعمور ومدرسة دار العلوم الخديوية حفظه اللّه‏:‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نحمدك يا مصدر الأسماء والأفعال سبحانك، صححت إيماننا وخلصته من شوائب الاعتلال، ونثني عليك، صرفت قلوبنا إلى التحلي بحلية المعارف، وأسبغت علينا ظل إنعامك الوارف، ونصلي ونسلم على سيد العرب والعجم، أفصح من نطق بالضاد من حروف المعجم، سيدنا ومولانا محمد المشهور في الصحف الأولى بأحمد، والداعي إلى الصراط المستقيم، والمنهج الأحمد، وعلى آله وصحبه، ما تحلى جيد الزمان العاطل بوجود العلماء الأفاضل‏.‏

وبعد‏:‏ فإنه لما زالت عن قلبي الغصص، ونالت بغيتي أجل الفرص، بمطالعة الكتاب المسمى «شذا العرف في فن الصرف»، فوجدته سفراً كالعروس تشتاق إليه جميع النفوس، ويخجل قس الفصاحة بفصاحته، ويرينا نهج البلاغة ببلاغته، فصرت أستخرج من بحاره الدرر، وأشكر فضل جامعه، حيث انتقى فيه أحسن الغرر، فما زال يبدي من برج سعود قرطاسه بدوراً وشموساً، ويدير علينا من خمر لذة معانيه كؤوساً، فاز من كان جليساً له، فإنه لم يُرَ في فنه مجموعاً عادله، فلذلك أرخّته، ولحسنه قرظته فقلت‏:‏

كتاب كبدر التـمّ حسنا فإنـه *** يضيء بأنوار عجـاب غرائـب

ففاق سواه في المحاسن والبها *** وسرّت به الطلاب من كل جانـب

وقلد جيد الدهر جامعـه بــه *** قلائ فخر مـن أجــل المناقـب

ومن طيب مبناه أقول مؤرخـا *** شذا العرف نبراس بديع المطالب

سنة 1894‏.‏

فللّه درّ مؤلفه الذي رفعت له بين العلماء الأعلام، وسجدت له طوعاً الأقلام، العالم العامل واللوذعي الكامل، الذي هو في الشعر والنثر وأعمال القلم أشهر من نار على علم، من هو لكل فضل وكمال راوي حضرة «الشيخ أحمد الحملاوي» حفظه اللّه‏.‏

وقال العلم المفرد، والهُمام الأوحد، من هو للأدب مصباح وأي مصباح، الأستاذ الفاضل المرحوم الشيخ أحمد مفتاح مدرس الإنشاء بمدرسة دار العلوم الخديوية رحمه اللّه‏:‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه المتفرد بتصريف الأفعال والصلاة والسلام على سيدنا محمد والآل‏.‏

أما بعد‏:‏ فإن العلوم العربية هي الذريعة إلى معرفة كلام اللّه ورسوله، معرفة صحيحة، وإن الأوَّل منها في نظر المعلم هو علم الصرف المبين لجوهر الكلم إفراداً وتركيباً، وقد دوّن فيه العلماء كتباً عديدة، سوى أنه لا يستغني الطالب ببعضها عن الآخر، إما لقصورها أو إيجازها، وللّه الكمال وحده، فما كان أحوجنا إلى كتاب يسفر عن مخدرات هذا الفن ويجمع من شتاتها، ونعم قد أتاح اللّه لأخينا الفاضل والأستاذ العالم الشيخ أحمد الحملاوي أن وضع فيه كتابا دعاه «شذا العرف في فن الصرف»، أتى فيه بما يعزّ على سواه ويعصى على مناويه، ويذكر لنا عهد المتقدمين، ولولا الأدب لقلت إنه أربى عليهم‏:‏

فيا ربما أخلى من السبق أول *** وبذّ الجياد السابقات أخير

رصافة معل في سلاسة ألفاظ، ورقة مبنى في سلامة إيجاز، سهر فيه الليالي الطوال، ما بين تنقيب وتهذيب، وإحكام وتقريب، وحكمة تشهد له بالبراعة، واختيار ينبئنا عمّا له في هذه الصناعة، همز فيه جواد الفكر، فسبق إلى المدى، وخلا عن الإعلال، وعذب فما أشبهه بقطر الندى، فقل للذي قد رام شأوه‏:‏ «أطرق كرا إن النعامة في القرى»، فأين حذام من لكاع، وأين الرؤية من السماع، وأين الثريا من الثرى والنوم من السرى، أم أين البديهة من الرؤية والأمنية من المنية، أدامه اللّه نافعاً بين عطاء ورباح، ما أسدف الليل وأضاء الصباح‏.‏

وقال بهجة الشعراء وأوجد الفضلاء الكوكب المتلألئ، حضرة الفاضل الشيخ حسين والي الأزهري مقرظاً له بعشرة أبيات كلها عشرون تاريخاً الأوليات عشرة تواريخ لسنة 1894 أفرنكية والشطرات الأخريات عشرة تواريخ أيضاً لسنة 1312 هجرية حفظه اللّه، وبلغه مناه‏.‏

شذا العرف بالطبع مبناه رق *** وبرق اصطفا الصرف لطفا برق

كتــاب نقي أغار الحسود *** وأخـمـل كـل كتـاب سبـق

كتـاب كـريم عظـيم مقام *** صـفا مثـلـما رقـم لطفا ودق

كتاب تباهي باقـعد وضـع *** وأضـحى حليفا لحسـن نسـق

سنة 1894/ سنة 1312

وقال حضرة الأستاذ الفاضل الهمام الكامل من هو بالثناء الجميل حري، الشيخ طنطاوي جوهري أحد مدرسي العلوم العربية بمدرسة دار العلوم الخديوية‏:‏

إلى ذروة أنـي لا محـالة مدرك *** فإني شممت اليوم منها شذا العرف

وأيقنت أنـي لا محـالة مـدرك *** نهـاية آمـالي وبشـرط باللـطف

فسافر لنيل العز فـي كـل مهمه *** ولـو كـان الأسـفار تسفر بالحتف

وكن في طلاب المجد أصدق عابد *** ولا تـك مـمن يعبـدون على حرف

هي النفس فلتصرف عنان جوادها *** إلى المـجد حتى لا تشذ عن الصرف

ولا تقتـصر إن رمت عزا ورفعة *** على الرتـبة الـدنيا وتشمخ بالأنف

بل انهج سبيل العالم الأوحد الذي *** توشـح بالآداب واللـطـف والظرف

هو الحملاوي مصدر الفضل أحمد *** مناقـبه الغـراء تربو على الوصـف

فكـم أسهر الأجفان واللـيل شاهد *** لكل عويض ليس يدرك في الصحـف

وأبدع فن الصرف بعـد دروسـه *** وهذبه فلتـحي يـا مبـدع الصـرف

فما كل تأليف يروقـك وضـعـه *** ولا كل بـرق شـمـت آنس بالوكف

لذا النـاس لما رق طبعا ورصعت *** حواشيـه من حسن الجواهر بالرصف

يقولون بشرى للمـؤلف أحـمـد *** فقلت وفي التاريخ بشرى شـذا العرف

يقول خادم التصحيح بالمطبعة الأميرية الفقير إليه تعالى، نصر العادلي، أصلح اللّه عمله وبلغه في الدارين من كل خير أمله‏.‏

نحمدك اللّهم على مزيد نعمك ومديد باهر فضلك وكرمك، حمداً لا مصدر له إلاَّ مجرَّد افتقارنا، وتعويلنا في كل أمورنا عليك، ونشكرك شكر من اعترف بوجوب وجودك، وأقر بمضاعف امتنانك وجودك، ونصلي ونسلم على من سلمت أفعاله من النقص والإعتلال، سيدنا محمد النبي الأمي المبعوث بجوامع المقال، وعلى آله وأصحابه الذين تأدبوا بآدابه، وكل من انتمى لرفيع جنابه‏.‏

وبعد‏:‏ فإن من فضل اللّه علينا وعظيم إحسانه إلينا، أن يسر طبع هذا الكتاب الفائق المحتوى، على الدر النضيد اللائق، كتاب «شذا العرف في فن الصرف»، تأليف صديقنا الأوحد والهمام الأمجد، من هو لكل فضل راوي، الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد الحملاوي، أحد علماء الأزهر الأكابر، وناظر مدرسة المرحوم عثمان باشا ماهر، كيف لا وهو ذلك الكتاب الذي أعجب به الأساتذة، وعني به الطلاب حتى قدموه على غيره من مصنفات هذا الباب، ولا بدع فقد احتوى من فن الصرف على اللباب، ولهذا توالت طلباته وكثرت رغباته، حتى نفذت نسخ طبعته الثالثة والرابعة، ودعت الحال حضرة مؤلفه إلى تقديمه للطبع هذه المرة الرابعة، فجاءت بحمد اللّه كما ترى، وفيها من الزيادات والتنقيح والتهذيب ما جعل كل الصيد في جوف الفرا، فجزى اللّه حضرة مؤلفه الثواب الجزيل على هذا العمل الجليل، وأكثر من علمائنا المشتغلين من أمثاله، لينسجوا في إحياء العلوم على منواله‏.‏

وكانت إعادته هذه الكرة وطبعه هذه المرة كسابقاتها بالمطبعة الأميرية ذات المحاسن البديعة البهية، في عهد مليكنا الأعظم وولي نعمتنا الأكرم الأفخم، من لم يثنه عن الخيرات ثاني «أفندينا المعظم عباس باشا حلمي الثاني»، أدام اللّه أيامه، ووالى على رعايته إحسانه وإنعامه، ومتعه ببقاء أنجاله الكرام، وساد آراء رجال حكومته الفخام، في أوائل شعبان المكرم سنة 1329 هجرية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية‏.‏